هي معانٍ يدلُّ أكثرها على أحداث حياة الإنسان سواءً ماضيه، أو حاضره، أو مستقبله. ويمكن حصر غالبيـَّة المعاني التي يحتمل أن تدلَّ عليها هذه الرؤى الإلهيـَّة بصفة عامَّة في ثلاثة تصنيفات، وهي:
1. البُشرى بالخير أو الإنذار بالشَّرِّ: وفيها إخبار للشخص بأشياء ستحدث له أو لغيره في المستقبل (بإذن الله [تعالى])، سواءً كانت هذه الأشياء سعيدة أم حزينة.
2. الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر: وفيها نصيحة إمَّا لتشجيع الشخص على فعل خير أو إحسان، وإمَّا لتحذيره من ارتكاب شرٍّ أو ضرر.
3. إظهار الحقائق وإقرار الوقائع: وفيها إمَّا إخبار للشخص بمعلومة لا يعرفها، وإمَّا التأكيد على معلومة يعرفها.
تفصيلات وأدلة
(1) قد تجمع الرؤيا الواحدة في دلالتها بين أكثر من زمن، فتأتي مثلًا للإشارة إلى أشياء حدثت في الماضي، وأشياء حادثة في الحاضر، وأشياء سوف تحدث في المستقبل (بإذن الله تعالى) في نفس الرؤيا. والراجح هو أنَّ غالبيـَّة الرؤى التي تكون من الله (تعالى) تشير إلى أحداث مستقبليـَّة، وربَّما يكون الدليل على ذلك أنَّ كثيرًا ممَّا جاء من الرؤى في القرآن الكريم والسُّنَّة النبويـَّة الشريفة قد دلَّ إمَّا على بشرى بخير أو إنذار بشرٍّ في المستقبل. ومن أمثلة الرؤى التي تكون إمَّا بشرى بخير أو إنذار بشرٍّ: رؤيـيا صاحبي يوسف (عليه السلام) في السجن، كما ورد ذلك في القرآن الكريم في قول الله (تعالى): ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف:36). وقد أخبرهما يوسف (عليه السلام) عن تفسير الرؤيـيين بما معناه أنَّ واحدًا منهما سوف يخرج من السجن، ثم يعود لعمله كساقٍ للملك، بينما سوف يُصلَب الآخر، فتأكل الطيور من لحم رأسه، كما في قول الله (تعالى) على لسان يوسف (عليه السلام): ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ﴾ (يوسف:41).
(2) من أمثلة الرؤى التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر: الرؤيا التي رآها عبد الله بن عمر بن الخطَّاب (رضي الله [تعالى] عنهما)، والذي أخبره النبيُّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) عن تفسيرها أنَّ فيها حضًّا له على قيام الليل، أو كما جاء في الخبر عن عبد الله أنـَّه قال: «فرأيت في النوم كأنَّ مَلَكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطويَّة كطيِّ البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: «أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار»، فلقيهما مَلَك آخر، فقال لي: «لن تُرَاع»، فقصصتها على حفصة، فقصَّتها حفصة على النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فقال: «نِـعمَ الرجل عبد الله، لو كان يصلِّي باللَّيل». قال سالم: «فكان عبد الله لا ينام من الليل إلَّا قليلًا» (مُتَّفق عليه)، ومعنى كلمة «مطويَّة»: مبنيَّة، ومعنى كلمة «قَرنَان»: خَشَبَتَان مبنيـَّتان على حافَّة البئر بحيث تُوضع عليهما العارضة الخشبيـَّة التي يتدلَّى منها الحبل الذي يحمل الدلو، ومعنى «لن تُراع»: لا خوف عليك بعد هذا، أو هي عبارة أمان له من النار. وقد قيل في شأن الرؤى التي تأمر بمعروف أو تنهى عن منكر: «إذا أراد الله بعبد خيرًا عاتَبَه في منامه» (ضعيف الجامع).
(3) أمَّا رؤيا إظهار الحقائق وإقرار الوقائع، فمنها ما يُظهِر صلاح شخص مثلًا، كما في رؤيا النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) التي قال عنها: «بينا أنا نائم، رأيت الناس يُعرَضون علي وعليهم قُمُص (جمع قميص)، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعُرِض علي عمر بن الخطَّاب وعليه قميص يجُرُّه». قالوا: «فما أوَّلت ذلك يا رسول الله؟». قال: «الدِّين» (مُتَّفق عليه). وأحيانًا قد تأتي رؤيا لتظهر براءة شخص من تهمة، فعلى سبيل المثال: عندما تكلَّم المنافقون في حقِّ أمِّ المؤمنين السيَّدة عائشة (رضي الله [تعالى] عنها) كانت تقول: «كنت أرجو أن يرى رسول الله في النوم رؤيا يُبرِّؤني الله بها» (رواه البخاريُّ).
ومن عجائب أمثلة الرؤى التي تخبر ببعض المعلومات ما يُحكى عن شابٍّ مسلم، نحسبه من الصالحين، يعيش في إحدى البلاد الإسلاميـَّة أنـَّه رأى في المنام أنـَّه في مدينة باريس الفرنسيَّة، وأنَّ رجلًا أعطاه ورقة كُتب عليها اسم شارع في المدينة، وهو شارع سانت أنطوان (st. Antoine)، فاستيقظ الشابُّ وفي ذهنه هذا الاسم بقوَّة، ولم يكن الشابُّ يعرف هذا الاسم، ولا هذا الشارع مُطلقًا، فظنَّ في البداية أنـَّه قد يكون مجرَّد رمز في الرؤيا لا علاقة له بالواقع، ثُمَّ قرَّر بعد ذلك أن يبحث عن هذا الشارع في الخريطة لعلَّه يكون موجودًا فعلًا، فأخذ يبحث عن خريطة تفصيليـَّة للشوارع الباريسيَّة حتَّى وجدها، ثم أخذ يبحث في أسماء الشوارع، والعجيب أنـَّه وجد هذا الشارع فعلًا في خريطة مدينة باريس، وبنفس الحروف الهجائيـَّة التي رآها في الرؤيا. وهذا الشارع موجود فعلًا في أهمِّ وأرقى منطقة حيويَّة في قلب مدينة باريس! وسبحان الله العظيم! ومن أمثال هذه الأمور العجيبة أيضًا أنَّ شابًّا مسلمًا مهمومًا لا يعرف اللُّغة الإيطاليَّة قد رأى نفسه في المنام يتكلَّم بها، فاستيقظ من النوم وفي ذهنه كلمة allegro، فبحث عنها في المعجم، فوجد أنَّ معناها مَرِح، ضاحك، في حالة نفسيَّة جيِّدة…، فعساها أن تكون بشرى بزوال الهموم. آمين
والله (تعالى) أعلم.
قام بإعادة تدوين هذه على مدونة تفسير الأحلام.
إعجابإعجاب