المهاجمون لعلم تفسير الرؤى : الانتماءات … المزاعم … الرد الحازم

لا يخفى على كثير من المسلمين ما يتعرَّض له علم تفسير الرؤى والمشتغلون به حاليًا من هجوم شرس.
وتتنوَّع هذه الاتهامات بدءًا بإنكار وجود الرؤيا الصادقة أصلًا (ناهيك عن وجود علم لتفسيرها)، وانتهاء باتِّهام المشتغلين بتفسير الرؤى بالدَّجل، والجهل، والنصب، وخداع المسلمين، والمتاجرة بهمومهم ومشاكلهم، بل ولقد وصلت هذه الاتِّهامات إلى حدِّ التجريم في بعض الأحيان.
ويتعدَّد الأفراد الذين يهاجمون علم تفسير الرؤى ومفسِّريها، كما تتباين خلفيَّاتهم العقائديَّة والثقافيَّة.
وإليك نبذة عن أهمِّ فرقتين تهاجمان الرؤى وعلم تفسيرها في العصر الحديث، وهما أولًا: العَلمانيُّون من المنتسبين للإسلام، وثانيًا: طائفة من المنتسبين للمؤسَّسات الإسلاميَّة. فإليك نبذة عنهما، وعن بعض آرائهما عن الرؤى والمشتغلين بها، متبوعًا بالردِّ المناسب على أقوالهما:

أوَّلًا: العَلْمَانيُّون المنتسبون للإسلام:
1. هم فئة من المفكِّرين، والإعلاميِّين، والأكاديميِّين، والمتخصِّصين، والقياديِّين يُنتَسَبون إلى الإسلام، تأثَّروا بالثقافة الغربيَّة الماديَّة النافرة من غيبيَّات وروحانيَّات الدين والتديُّن عمومًا، ومن الإسلام والالتزام بتعاليمه على وجه الخصوص. ويتَّضح هذا التأثُّر بالغرب بقوَّة في كلامهم، وأفعالهم، وأسلوب حياتهم.
2. يعتقدون أنَّ الإسلام هو حالة شخصيَّة لا ينبغي أن تخرج عن نطاق الممارسة الفرديَّة الخاصَّة جدًّا دون أن تنسحب هذه الممارسة على أيِّ مظهر من مظاهر الحياة العامَّة.
3. يتمتَّعون بآلة إعلاميَّة ضخمة يسعون من خلالها إلى تحجيم، وتعويق، وتشويه، وتبديل الإسلام بكافَّة الطرق والوسائل تلميحًا وتصريحًا.
4. يُظهرون الاحترام والتوقير الشكليِّ للإسلام، ويُبطنون احتقارًا عميقًا للتديُّن والمتديِّنين من المسلمين، لاسيَّما إذا تعارض هذا التديُّن مع الفكر الغربيِّ الماديِّ المنحرف.

عقيدتهم في الرؤى الصادقة:
1. ينكرون وجود الرؤى الصادقة إنكارًا كاملًا، أو يكاد، وذلك على الرغم الآيات القرآنيَّة والأحاديث النبويَّة الشريفة المؤكَّدة الصحَّة، والتي تدلُّ أنَّ هذه الرؤى حقيقة واقعة.
2.  يعدُّون الأحلام التي يراها الإنسان ما هي إلَّا ظاهرة نفسيَّة، وجزءًا من نشاط المخِّ البشريِّ، وأنَّ المختصَّ بالبحث فيها هم علماء النفس فقط.
3.  يعتقدون أنَّ الأحلام هي مجرَّد تفريغات عقليَّة، وانعكاسات مناميَّة لخبرات، وأفكار، ومعتقدات، وأمنيات الحالم، ليس إلَّا.
فمثلًا: إذا رأى مسلم النبيَّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) في رؤيا، فهذا – من وجهة نظرهم – هو فقط تعبير نفسيٌّ عن حبِّ الشخص للنبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، وتفريغٌ عقليٌّ في المنام لرغبة هذا الشخص في رؤية النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم).
وبالمِثل: فإذا رأى مسلم أبا بكر الصدِّيق أو عُمر بن الخطَّاب (رضي الله [تعالى] عنهما)، فما هذا – من وجهة نظرهم – إلَّا اجترار عقليٌّ لشخصيَّات «تاريخيَّة» تأثَّر بها الحالم، وترسَّبت منذ الصغر في أعماقه…
…وهكذا قِس على ذلك نظرتهم إلى كلِّ ما يراه الإنسان في المنام.
4.  الرؤى التي ثبت فعلًا أنَّها دلَّت على أحداث مستقبليَّة تحقَّقت، يعدُّونها جزءًا من علم يُطلقون عليه «الباراسيكولوجي» Parapsychology، أو «عِلم الخوارق»، أو «ما وراء علم النفس». وهو عِلم يختصُّ بدراسة الظواهر النفسيَّة والعقليَّة «الخارقة» (أي التي لم يتمكَّن علم النفس من تحليلها وفهمها) كالظاهرة التي يُطلقون عليها «التَّخاطُر العقليَّ» telepathy، وأشباه هذه الأشياء.
ويحاول بعض علماء النفس العلمانيِّين تفسير مثل هذه النوعيَّات من الأحلام «الخارقة» بأنَّها ظاهرة عقليَّة غامضة، على أساس أنَّ العلم لم يكتشف إلَّا جزءًا ضئيلًا جدًّا من إمكانيَّات المُخِّ البشريِّ، وأنَّ أكثر ما يتعلَّق به وبوظائفه وأفعاله ما زال غامضًا.
وبالتالي، يفترض بعض هؤلاء النفسيِّين في تفسير أسباب حدوث مثل هذه الرؤى التنبُّؤيَّة أنَّه ربَّما يستطيع المخُّ – من خلال مخزون أحداث الماضي والحاضر التي مرَّ بها الشخص – القيام بحسابات خاصَّة وغامضة يقيس بناء عليها ما يمكن أن يحدث لهذا الشخص في المستقبل، ثم يقوم المخُّ بتفريغ ذلك في رؤيا المنام، تمامًا كما تقوم أنظمة الكمبيوتر وبرامجه بعمل الدراسات والاستنتاجات للمستقبل!
والخلاصة: أنَّ كلَّ تفسير لظاهرة الأحلام قال به أحد، ولو كان كافرًا، أو فاجرًا، أو مهووسًا، أو مخمورًا، أو معتوهًا هو عندهم وارد، ومُحتمل، ومحترم، ومعتبر، ويمكن الأخذ به، إلَّا ما قاله الله (تعالى)، وما قاله رسوله (صلَّى الله عليه وسلَّم)!!

الردُّ على مزاعم العلمانيِّين المنتسبين للإسلام في شأن الرؤى الصادقة:
الردُّ عليهم بسيط للغاية، وهو أنَّه إذا كان الإنسان يدَّعي أنَّه مسلم، فبناء على ذلك، هو يقبل أن يكون كتاب الله (تعالى)، وسُنَّة رسوله (صلَّى الله عليه وسلَّم) حَكَمين يعلوان، ولا يُعلى عليهما.
وقد ثبت بالقرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة الشريفة الصحيحة وجود الرؤيا الصادقة التي يدلُّ تفسيرها على أحداث الغيب. وبالتالي، فلا يستقيم أن يدَّعي شخص أنَّه مسلم يحترم الإسلام، ثُم يُنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فهذا تناقض مكشوف، ونفاق مفضوح.
فليس لهؤلاء في هذه الحالة إلَّا خياران، إمَّا الإسلام، والإقرار بما جاء فيه من صحيح النصوص وما تدلُّ عليه، وإمَّا الكُفر، والإنكار لهذه النصوص، وعليهم أن يختاروا، وأن يعلنوا علينا اختيارهم بوضوح بدلًا من استخدام أساليب الالتفاف والتحايل.

ثانيًا: فئة من المنتسبين للمؤسَّسات الإسلاميَّة:
وهم طائفة قليلة من المنتسبين للمؤسَّسات الإسلاميَّة العلميَّة، والإفتائيَّة، والدَعَويَّة الرسميَّة وغير الرسميَّة في بعض الدول الإسلاميَّة. ومع ذلك، نُكِنُّ لهم كامل الاحترام، ووافرحُسن الظنِّ، ولا نقصد الإساءة إلى أيٍّ من شخوصهم.
ولا شكَّ أنَّ هناك اختلافات بين معتقد هذه الفئة من المنتسبين للمؤسَّسات الإسلاميَّة في الرؤى الصادقة وتفسيرها، وبين معتقد العلمانيِّين فيها، أهمُّها أنَّ هؤلاء المنتسبين للمؤسَّسات الإسلاميَّة لا ينكرون وجود الرؤى الصادقة، ولا تفسيرها؛ لأنَّ هذا ثابت بنصوص القرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة الشريفة، فلا يستطيعون تكذيبه.
وإليك مجمل ما يطرحوه من أفكار في الرؤى وتفسيرها:
1. ينكرون وجود تفسير إسلاميٍّ للرؤى قائم على القرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة الشريفة بدعوى أنَّ هذه بدعة لا أصل لها شرعًا، حتَّى لقد وصل الأمر ببعضهم إلى اعتبار أنَّ تفسير الرؤى بالقرآن جريمة، وأنَّ القرآن إنَّما أنزله الله (تعالى) لتفسير اليقظة (أي أمور المعايش)، وليس المنام.
2. لا يعترفون بوجود علم في الإسلام اسمه «علم تفسير الرؤى»، بحُجَّة أنَّه لا يوجد دليل شرعيٌّ على وجود هذا العلم. فلا يوجد في الإسلام – من وجهة نظرهم – شيء اسمه «تفسير رموز الرؤيا» كأن تدلَّ المرأة في الرؤيا على دنيا، أو أن يدلَّ الثعبان في الرؤيا على أذى، أو أن تدلَّ السفينة على نجاة…إلخ.
3.  يدَّعون أنَّ تفسير الرؤى هو مسألة تقتصر على الأنبياء والصحابة دون غيرهم. ويستشهدون بحديث «أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا» لإثبات أنَّ تفسير الرؤى عمليَّة أكبر من طاقات أو إمكانات أيِّ مسلم حيٍّ، وبالتالي التشكيك في كلِّ من يفسر الرؤى، فتسمعهم يقولون مثلًا: «إذا كان سيِّدنا أبو بكر الصدِّيق – وهو من هو – قد أخطأ في تفسير الرؤيا (في إشارة إلى الحديث السابق)، فما بالك بنا نحن؟!»
وقصَّة هذا الحديث الشريف أنَّ رجلًا جاء إلى النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ ليقصَّ عليه (صلَّى الله عليه وسلَّم) رؤيا ليفسِّرها له. فاستأذن سيِّدنا أبو بكر الصدِّيق (رضي الله [تعالى] عنه) من النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) أن يفسِّرها، فأذِن له النبيُّ (صلَّى الله عليه وسلَّم). وبعد أن فرغ الصدِّيق (رضي الله [تعالى] عنه) من تفسيرها، قال له النبيُّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) تعقيبًا على تفسيره لها: «أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا»، أي بعض ما فسَّرته من الرؤيا صحيح، وبعضه خطأ.
4. يدَّعون أنَّ تفسير الرؤى هو إلهام مباشر من الله (تعالى)، وليس له قواعد يمكن أن يفهمها المسلمون أو يتعلَّموها، وأنَّ من يزعمون قدرتهم على تفسير الرؤى في هذا العصر ما هم إلَّا أهل أهواء، ودجل، ومصالح شخصيَّة.
5. لا يعدُّون الرؤى مصدرًا لتلقِّي العلوم الشرعيَّة أو أساسًا للحُكم على الأشخاص أو الأشياء مطلقًا في جميع الأحوال.
ومن الجدير بالذكر هنا أنَّ أفراد هذه الفئة يختلفون في درجة تبنِّيهم لتلك الأفكار اختلافًا واضحًا، فقد يؤمن بعضهم ببعض هذه الأفكار دون البعض الآخر، وقد يؤمن بعضهم الآخر بها كلِّها.

الردُّ على أفكار هذه الفئة في شأن الرؤى وعلم تفسيرها:
1. تفسير الرؤى بالقرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة الشريفة ليس بدعة، بل هو من الأمور التي دلَّت عليها بعض أحاديث النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، كتفسيره (صلَّى الله عليه وسلَّم) للعُروة في رؤيا عبد الله بن سلَّام (رضي الله [تعالى] عنه) بأنَّها «عروة الوثقى»، وذلك في الحديث المتَّفق على صحَّته، والذي دلَّ على أنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) قد استخدم في تفسير الرؤيا تشبيه الإسلام بالعروة الوثقى في الآية الكريمة: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا﴾ (البقرة:256).
والحديث هو: عن عبد الله بن سلام (رضي الله [تعالى] عنه) قال: رأيت كأنِّي في روضة، ووسط الروضة عمود، في أعلى العمود عروة، فقيل لي: ارقه، قلت: لا أستطيع، فأتاني وصيف، فرفع ثيابي، فرقيت، فاستمسكت بالعروة، فانتبهت وأنا مستمسك بها، فقصصتها على النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فقال: «تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العُروة عروة الوُثقَى، لا تزال مُستمسِكًا بالإسلام حتَّى تموت» (مُتَّفق عليه).
وكذلك، تفسير النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) للقميص بأنَّه «الدِّين» في الحديث المتَّفق على صحَّته، والذي جاء عنه (صلَّى الله عليه وسلَّم) فيه: «بينما أنا نائم، رأيت الناس يُعرَضون علي وعليهم قُمُص (جمع قميص)، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومرَّ عليَّ عمر بن الخطَّاب وعليه قميص يجرُّه». قالوا: «ما أوَّلته يا رسول الله؟» قال: «الدِّين».
ولا يخفى على باحث مُدقِّق أنَّ تفسير اللِّباس في هذه الرؤيا بأنَّه رمز للدِّين قد يكون بسبب العلاقة بين اللباس والدِّين في تشبيه القرآن الكريم في قول الله (تعالى): ﴿…وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ…﴾ (الأعراف:26).
وهنا أطرح سؤالًا بديهيًّا: إذا كانت الرؤيا الصادقة من الله (تعالى)، وإذا كان من الثابت شرعًا أنَّ لها تفسيرًا، فبماذا نفسَّرها إذن؟ وهل يوجد أولى أو أنسب من كلام الوحي الإلهيِّ لتفسير الرؤى الإلهيَّة؟
أليس الله (تعالى) يقول في كتابه الكريم عنه: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ (النحل:89)؟ ألم يُنقَل عن عبد الله بن عباس (رضي الله [تعالى] عنه) أنَّه قال: «لو ضاع منِّي عِقال بعير، لوجدته في كتاب الله» (الإتقان)، وذلك في إشارة إلى شمول القرآن الكريم، وإحاطته بكلِّ علم؟
وما هي الجريمة – كما وصف بعضهم تفسير الرؤى بالقرآن – في أن يُفسِّر المسلمون رؤاهم ويقظتهم معًا بالقرآن الكريم؟ أليست الرؤيا جزءًا أصيلًا من العقيدة الإسلاميَّة؟
2. كيف يكون تفسير الرؤى ليس بعِلم، والنبيُّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) يقول في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذيُّ: «لا تُقَصُّ الرؤيا إلَّا على عالم أو ناصح»؟
ألم يتحدَّث عن هذا العلم جهابذة من العلماء كالبغويِّ، وابن القيِّم، والشاطبيُّ، وابن مفلح، وغيرهم؟ وكيف لا يجوز تفسير رموز الرؤى رمزًا رمزًا (كأن تدلُّ المرأة على دنيا، والسفينة على نجاة…إلخ) مع أنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) قد فعل ذلك ممَّا لا يخفى على أيِّ باحث مبتديء في الحديث الشريف؟
3. أما كون تفسير الرؤى مسألة تقتصر على الأنبياء والصحابة من دون الأشخاص العاديـِّين، فهذا لا دليل عليه من قرآن كريم أو حديث شريف، فهو ادِّعاء باطل لا أساس له.
أمَّا الاحتجاج بحديث «أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا»، فليس دليلًا على أنَّ تفسير الرؤى هو مسألة فوق إمكانات البشر، فهذا تحميل لمعنى الحديث فوق ما يحتمل، ويمكن تلخيص الردِّ عليه في النقاط التالية:
أ. لماذا يتمُّ التركيز على «أخطأت بعضًا»، ولا يتمُّ التركيز على «أصبت بعضًا»؟ لماذا يتمُّ التركيز على الخطأ في التفسير، ولا يتمُّ التركيز على الصواب في التفسير؟
ب. لو كان تفسير الرؤى عمليَّة فوق إمكانات المسلمين من دون الأنبياء والصحابة، ولو كان تفسير الرؤى باب شرٍّ، لأغلق النبيُّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) هذا الباب منذ البداية، ولنهى المسلمين عنه.
ج. كيف يكون تفسير الرؤى مسألة لا يقدر عليها المسلم من دون الأنبياء والصحابة، في الوقت الذي حضَّ النبيُّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) المسلمين على تفسيرها، فقال: «إذا رأى أَحَدُكُم الرؤيا الحسنة، فليُفسِّرها، وليُخبِر بها. و إذا رأى الرؤيا القبيحة، فلا يُفسِّرها، و لا يُخبِر بها» (حديث صحيح – صحيح الجامع)؟
د. هل معنى أنَّ تفسير الرؤى قد يصيب وقد يخطي ألَّا نفسِّرها؟ ألا يخطيء المفتي في استنباط الأحكام الشرعيَّة؟ ألا يخطيء الطبيب، والمهندس، والمعلِّم؟ هل نلغي الإفتاء الشرعيَّ، والطبَّ، والهندسة، والتعليم؛ لأنَّ هؤلاء الناس قد يصيبون وقد يخطئون؟!
4. أمَّا بخصوص اعتبار علم تفسير الرؤى إلهامًا إلهيًّا لا قواعد له، فنقول: إنَّه ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ كلَّ مسلم، بل كلَّ إنسان، يحتاج إلى تأييد وتسديد من الله (تعالى) في كلِّ عمل يقوم به.
ومع ذلك، فلا يوجد دليل على أنَّ علم تفسير الرؤى لا قواعد له، بل على العكس، وردت في القرآن الكريم والحديث الشريف إشارات تدلُّ على أنَّ هناك قواعد لهذا العلم تناولناها بالتفصيل في باب تفسير الرؤى الصادقة في كتاب شمس دنيا المنام، فليرجع إليه من أراد الاستزادة.
5. أما كون الرؤى ليست مصدرًا تؤخذ منه العلوم، أو يمكن من خلاله الحُكم على الأشخاص والأشياء، فهذا الكلام، وإن كان له أصل في الشرع، إلَّا أنه لا يمكن تعميمه على كلِّ الحالات، ولا يُمكن أن يُقال هكذا إطلاقًا دون تحديد أو تقييد.
وقد تناولنا أحكام تلقِّي العلوم، والحُكم على الأشخاص والأشياء من خلال الرؤى في سياق هذا الكتاب بفضل الله (تعالى).
وعلى الرغم من مآخذنا على هذه الفئة من المنتسبين للمؤسَّسات الإسلاميَّة، إلَّا أنَّنا في النهاية قد نلتمس لبعضهم عُذرًا في هجومهم على تفسير الرؤى والمشتغلين به، وذلك نظرًا لانتشار الجهل والنصب في هذا المجال على نطاق واسع جدًّا، ممَّا قد يثير ردود أفعال معاكسة وقويَّة – إلى درجة المبالغة أحيانًا – عند هذه الفئة سدًّا لذريعة فساد، ومحاربة لوضع أعوج.
ومع ذلك، نعتقد أنَّه كان من الأجدر بهؤلاء تشجيع البحث العلميِّ الجادِّ في مجال تفسير الرؤى، ومحاولة وضع إطار منضبط للمشتغلين به بدلًا من الهجوم عليه وعليهم، خاصَّة مع احتياج المسلمين الشديد إلى تفسير رؤاهم، وكما يقول المثل الدارج: «بدلًا من أن تلعن الظلام، أشعل شمعة».
والله (تعالى) أعلم.

نُشر بواسطة Jamal Hussein

Dream interpretation researcher and analyst

لا توجد آراء بشأن "المهاجمون لعلم تفسير الرؤى : الانتماءات … المزاعم … الرد الحازم"

إضافة تعليق

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: