هناك نوعيَّة من الرؤى قد يفهم منها الرائي أنـَّها تأمره بشيء معيَّن أو تنهاه عن شيء آخر. وقد تكون لهذا الشيء المأمور به أو المنهيِّ عنه علاقة بالشرع، أو ربَّما تكون له علاقة بأمور المعيشة.
فمن أمثلة الرؤى التي قد تأمر بشيء أو تنهى عن شيء له علاقة بالشرع: الرؤى التي تحضُّ على الصلاة، أو على برِّ الوالدين، أو تنهى عن السرقة، أو الزنا…إلخ.
أمَّا الرؤى التي قد تأمر بشيء أو تنهى عن شيء له علاقة بأمور المعيشة، فمن أمثلتها: الرؤى التي تحضُّ على الدخول في مشروع تجاريٍّ معيَّن، أو دراسة موضوع علميٍّ مفيد، أو تنهى عن شراء شيء من متجر معيَّن، أو تحذِّر من الالتحاق بجامعة أو وظيفة معيَّنة…إلخ.
وقد يأتي هذا النوع من الأمر أو النهي في الرؤى بشكل مباشر، كأن يرى الشخص في منامه من يأمره بشيء أو ينهاه عن شيء بالعبارة الصريحة مثل «افعل كذا» أو «لا تفعل كذا».
وقد يأتي هذا النوع من الأمر أو النهي بشكل غير مباشر لا يُفهم معناه إلَّا من خلال تفسير الرؤيا. وذلك كأن يرى شخص متقدِّم إلى جامعة ما في منامه أنَّ مديرها يسلِّم عليه، فيُحتمل أن يكون معنى هذه الرؤيا الحثَّ له على الالتحاق بهذه الجامعة، أو كأن يرى شخص آخر متقدِّم لوظيفة ما في منامه أنَّ مكان العمل الذي تقدَّم للحصول على وظيفة فيه قد تحوَّل إلى حُفرة كبيرة، وأنـَّه على وشك السقوط فيها، فيُحتمل أن يكون معنى هذه الرؤيا التحذير له من الالتحاق بهذه الوظيفة.
ومن المهمِّ هنا التأكيد على مبدأ أساسيٍّ في التعامل مع هذه النوعيَّة من الرؤى، وهو أنَّ الأصل في التعامل معها أنـَّه إذا كان الأمر أو النهي فيها ذا علاقة بالشرع، فإن كان أمر بـمعروف ممَّا أمر به الشرع، أو نهي عن منكر نهى عنه الشرع – سواء كان الأمر مباشرًا أو غير مباشر -، فإنَّ الأصل في هذه الرؤيا هو الصدق، والأولى بالمسلم أن يتعامل مع الرؤيا على أنـَّها حقٌّ، وأن يأخذها على محمل الجدِّ، لاسيَّما إذا كان لديه تقصير معيَّن فيما أمرته به الرؤيا أو نهته عنه.
ومع ذلك، يُحتمل في هذه النوعيَّة من الرؤى أن يكون لها تفسير آخر لا علاقة له بموضوع الأمر أو النهي، وهو تفسير لا يفهمه إلَّا العالمون بتفسير الرؤى.
أمَّا إذا كان في الرؤيا أمر بمنكر حرَّمه الشرع، أو ببدعة لا أساس لها شرعًا، أو نهي عن معروف أمر به الشرع، فالأصل فيها أنَّها كاذبة، والأولى بالمسلم ألَّا يلتفت إليها، وألَّا يأخذها على محمل الجدِّ.
ومع ذلك، فقد تصدق هذه النوعيَّة من الرؤى، ويكون لها تفسير مختلف تمامًا عمَّا قد يشير إليه ظاهرها، وهو تفسير لا يفهمه إلَّا العالمون بالرؤى.
ومن أمثلة الرؤى الصادقة التي في ظاهرها أمر بمنكر، وفي الوقت نفسه لها تفسير لا علاقة له بظاهرها: نفترض أنَّ مسلمًا رأى في منامه في شهر رمضان من يقول له: «لا تَصُم غدًا»، فهذه رؤيا ظاهرها أمر بمنكر، والأولى بالمسلم ألَّا يلتفت إليها، وألَّا يتعامل معها على أنـَّها صادقة.
ومع ذلك، يُحتمل أن تكون هذه الرؤيا صادقة، وأن يكون لها تفسير آخر لا علاقة له بهذا الأمر بالمنكر، فقد تدلُّ لرائيها مثلًا على أنـَّه سوف يُسافر في اليوم التالي؛ لأنَّ المسافر له رخصة في الإفطار. (برجاء مراجعة قواعد تفسير الرؤى في كتاب شمس دنيا المنام)
وكذلك، من أمثلة الرؤى التي في ظاهرها أمر بمنكر، والتي قد تسبِّب مشكلة كبيرة لرائيها إن لم يحسن فهمها والتعامل معها: هي رؤيا قرأت عنها في أحد الكتب أنَّ مسلمًا حكى أنـَّه رأى النبيَّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) في المنام يقول له: «لا تتعب نفسك في طاعة الله، فقد اطَّلعت على أهل النار، فوجدتك منهم».
ولا شكَّ أنَّ هذه الرؤيا قد تسبَّبت في ألم نفسيٍّ كبير لرائيها، ولكن، على من يرى مثل هذه النوعيَّة من الرؤى في المنام أنَّ يفهم أنـَّها لا تخرج عن احتمالين.
الأول: أن يكون الرائي قد رأى النبيَّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) على غير هيئته الشريفة التي كان عليها في الدنيا. وفي هذه الحالة، فإنَّ احتمال أن تكون هذه الرؤيا من الشيطان كبير؛ لأنـَّه يجوز للشيطان أن يأتي في المنام في صورة مغايرة لصورة النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، ثم يدَّعي أنـَّه هو، ثم يأمر المسلم بكلِّ ما هو منكر؛ ليصرفه عن دينه.
أمَّا الاحتمال الثاني فهو أن يكون الرائي قد رأى النبيَّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) على هيئته الشريفة. ففي هذه الحالة، تكون الرؤيا صادقة، ويكون هذا الأمر المنكر في ظاهره هو مجرَّد رمز لمعنى آخر مختلف تمامًا عنه قد لا يخطر للمسلم العاديِّ على بال. ولا ينبغي أن يقوم باستنباط هذا المعنى من الرؤيا إلَّا مفسِّر الرؤى العالِم.
فمثلًا: يمكن أن يكون تفسير تلك الرؤيا السابقة حثًّا للرائي على عدم التشديد على نفسه في العبادات، والأخذ بالرخص (لا تتعب نفسك في طاعة الله تعالى)؛ لأنَّ الرائي من أهل البلاءات والهموم (فوجدتك من أهل النار)، فالرؤيا في ظاهرها شرٌّ وأمر بمنكر، بينما في باطنها وحقيقتها هي رؤيا رحمة من الله (تعالى) لهذا المسلم. (برجاء مراجعة قواعد تفسير الرؤى في الباب الثالث من هذا الكتاب لمعرفة كيف يتمُّ تفسير الرؤى)
ومن أمثلة الرؤى التي في ظاهرها أمر بمعروف، ولكن لها تفسير مختلف عن هذا الأمر: نفترض أنَّ مسلمًا يعيش في دولة أوروبيـَّة رأى من يقول له في منامه «اذهب للصلاة في المسجد»، فقد يكون في هذه الرؤيا حضٌّ له على الصلاة في المسجد فعلًا، وقد يكون للرؤيا تفسير آخركأن تدلَّ له على العودة لبلده المسلم، ويكون المسجد هنا رمزًا يدلُّ على دولة إسلاميَّة. (برجاء مراجعة قواعد تفسير الرؤى في الباب الثالث من هذا الكتاب لمعرفة كيف يتمُّ تفسير الرؤى)
ويقوم علماء تفسير الرؤى بالترجيح بين هذه الاحتمالات المختلفة لمعاني هذه النوعيَّة من رؤى الأمر والنهي على أساس قواعد معلومة سيتمُّ تناولها في سياق هذا الكتاب بمشيئة الله (تعالى).
من ضمن الرؤى الجميلة التي يمكن أن يراها المسلم، فتأمره بشيء له علاقة بالشرع ما رواه الدميريُّ في كتاب حياة الحيوان عن أمِّ المؤمنين عائشة (رضي الله تعالى عنها) أنَّها قالت: لمَّا تكلَّم الناس في الإفك، رأيت في منامي فتى، فقال لي: ما لك؟ قلت: حزينة ممَّا ذكر الناس، فقال: ادعي بهذا الدعاء، يفرِّج الله عنك، قلت: وما هو؟ قال: قولي: يا سابغ النِّعَم، ويا دافع النِّقَم، ويا فارج الغُمَم، ويا كاشف الظُّلَم، ويا أعدل من حَكَم، ويا حسيب من ظَلَم، ويا أوَّل بلا بداية، ويا آخر بلا نهاية، اجعل لي من أمري فَرَجًا ومخرجًا. قالت: فقلت ذلك، فانتبهت، فأنزل الله فَرَجي. ا.هـ. (لم أقف له على إسناد أو حُكم).
فهذا نوع من الرؤى لا غبار عليه مطلقًا إذا لم يخالف ما هو معلوم من الدين، بل يكون مستحبًّا في حقِّ من رأى هذه الرؤيا أو أمثالها أن يعمل بما جاء فيها.
والله (تعالى) أعلم.
قام بإعادة تدوين هذه على مدونة تفسير الأحلام.
إعجابإعجاب