كيف يتم تفسير الرؤى بقاعدة التشابه؟

التشابه هو من أهمِّ، وأقوى، وأقدم الأدلَّة التي تُفسَّر بها الرؤى. وهو معروف عند غير المسلمين أيضًا، ويستخدمونه كثيرًا في تفسير رؤاهم. والمقصود بالتشابُه هنا أن يكون بين رمز الرؤيا وبين شيء في الواقع نوع من التشابه في صفة معيَّنة أو أكثر، فيتمَّ الربط بينهما، فيدلَّ أحدهما في الرؤيا على الآخر في اليقظة.
ويمكن بيان هذه الأنواع من التشابه كالآتي:

1. التشابه في الشكل: هو أن يكون بين رمز الرؤيا وبين شيء في الواقع تشابه شكليٌّ، فيدلَّ واحد منهما في الرؤيا على الآخر في اليقظة.
مثال 1: يتشابه الهاتف المحمول (الجوال) مع الكمبيوتر المحمول والتلفاز في الشكل؛ لأنَّ لكلِّ واحدٍ منهم شاشة ولوحة مفاتيح أو أزرار. إذن، فيُحتمل أن تدلَّ كلُّ هذه الأشياء في الرؤيا على بعضها البعض.
فإذا افترضنا مثلًا أنَّ مُسلِمًا رأى في المنام هاتفه المحمول. إذن، فيُحتمل أن يدلَّ هذا الجهاز في الرؤيا على تلفاز أو كمبيوتر محمول في الواقع؛ للتشابه الشكليِّ بينه وبينهما.
مثال 2: قد يدلُّ الأشخاص على بعضهم البعض إذا كانوا يشبهون بعضهم في الشكل.
فإذا افترضنا مثلًا أنَّ مُسلِمًا رأى في المنام أحد المشهورين. إذن، فيُحتمل أن يدلَّ هذا المشهور في الرؤيا على شخص آخر يُشبهه في الشكل في الواقع.
مثال 3: تشبه الشمس المصباح الكهربائيَّ في الشكل. إذن، فيُحتمل إذا رأى شخص في المنام مصباحًا، أن يدلَّ على الشمس في الواقع.
مثال 4: تتشابه زجاجة الماء مع الإنسان في أنَّ كلًّا منهما جسم في داخله سائل. إذن، فيُحتمل إذا رأى مسلم في المنام زجاجة ماء، أن تدلَّ على شخص ما في الواقع.
مثال 5: تتشابه خُطْبَة الجمعة مع محاضرات الجامعة في أنَّ شخصًا عالِمًا يقوم في كليهما بإلقاء محاضرة عِلميَّة على مجموعة من المستمعين. إذن، فيُحتمل إذا رأى شخص في المنام نفسه يجلس في مسجد ويستمع للخُطْبَة، أن يدلَّ ذلك على تلقِّيه العلم في إحدى الجامعات في الواقع.
مثال 6: تتشابه عين الإنسان مع مصباح السيارة في الشكل. إذن، فيُحتمل إذا رأى مسلم في المنام أنَّ إنسانًا قد أُصيب بالعمى (عافانا الله تعالى وإياكم)، أن يدلَّ ذلك في الواقع على تلف مصباح سيارة.
مثال 7: تشبه المواسير التي تجري فيها المياة العروق التي تجري فيها الدماء. وبناء على ذلك، فقد تدلُّ المواسير في الرؤيا على عروق الدماء.
مثال 8: يشبه السمك الذي يسبح في البحر الحيوانات المنويَّة التي تسبح في السائل المنويِّ عند الرجل. إذن، فيُحتمل إذا رأى مسلم في المنام سمكًا يسبح في بحر، أن يدلَّ على ذلك المعنى في الواقع.
مثال 9: تشبه السجَّادة أرضًا ذات حدود. وبالتالي فقد تدلُّ السجَّادة في الرؤيا على أرض محدَّدة كأرض دولة معيَّنة مثلًا.
مثال 10: يُشبه وعاء الاستحمام بحمَّامِ المنزل حمَّامَ السباحة. وبالتالي يُحتمل أن يدلَّ الواحد منهما في الرؤيا على الآخر في اليقظة.
مثال 11: يتشابه سقوط الأمطار مع تسرُّب الماء من سقف غرفة. وبالتالي يُحتمل أن تدلَّ رؤيا تسرُّب الماء من سقف غرفة على هطول الأمطار.
مثال 12: تتشابه ولاية فلوريدا الأمريكيَّة أو كوريا مع دولة قطر في الشكل الجغرافيِّ للأرض. وبالتالي يُحتمل أن تدلَّ كلتاهما في الرؤيا على دولة قطر أو العكس.
 
                                      

2. التشابه في الجنس: هو أن يكون الأشخاص أو الأشياء من جنس أو نوع أو صنف واحد، فيدلَّ الواحد منها في الرؤيا على مثيله في اليقظة.
مثال: قد يدلُّ الشخص الصينيُّ في الرؤيا على شخص صينيٍّ آخر مثله في الواقع. وقد تدلُّ سيارة في الرؤيا على سيارة أخرى مثلها في الواقع. وقد يدلُّ الرجل في الرؤيا على رجل آخر مثله في الواقع. وقد يدلُّ الطفل في الرؤيا على طفل آخر مثله في الواقع. وقد تدلُّ البقرة في الرؤيا على بقرة أخرى مثلها في الواقع. وقد يدلُّ المطار في الرؤيا على مطار آخر مثله في الواقع. وكذلك فالحيوانات قد تدلُّ في الرؤيا على مثيلاتها من نفس الجنس، والنباتات قد تدلُّ في الرؤيا على مثيلاتها من نفس الجنس…وهكذا.
 

 
3. التشابه في الوظيفة: هو التشابه بين الأشخاص أو الأشياء في القيام بمهمَّة أو أداء وظيفة معيَّنة، فيدلَّ الواحد منهم في الرؤيا على شبيهه في اليقظة.
مثال 1: وسائل المواصلات تدلُّ في الرؤيا على بعضها؛ لأنـَّها كلَّها تؤدِّي الوظيفة نفسها، وهي نقل الناس من مكان إلى آخر.
فمثلًا: السيارة قد تدلُّ على الطائرة، أو السفينة، أو القطار…إلخ.
مثال 2: صاحب مهنة معيَّنة يدلُّ في الرؤيا على شخص مثله له المهنة نفسها.
مثال 3: تلميذ في مدرسة يدلُّ في الرؤيا على تلميذ آخر مثله.
مثال 4: بما أنَّ السحابة تشبه الإسفنجة في الوظيفة؛ إذ تحتفظ كلتاهما بالماء في داخلها، فقد تدلُّ الواحدة منهما في الرؤيا على الأخرى.
مثال 5: قد يدلُّ الأسد في الرؤيا على ملك أو رئيس؛ لأنـَّه ملك الحيوانات، فهناك تشابه في الوظيفة بينهما.
مثال 6: بما أنَّ الإنترنت يشبه المجاري في أنَّ كليهما شَبَكة تصريف عامَّة، إلَّا أن هذه شبكة تصريف مياة، بينما هذه شبكة تصريف معلومات، فقد تدلُّ الواحدة منهما في الرؤيا على الأخرى.
مثال 7: بما أنَّ هناك تشابهًا بين السيارة وبين الحذاء في أنَّ كليهما يركبه الشخص، ويسير به في الشارع، فقد يدلُّ أحدهما في الرؤيا على الآخر.
مثال 8: بما أنَّ هناك تشابهًا بين الطائرة والطائر في أنَّ كليهما يطير في السماء، فقد يدلُّ كلاهما على الآخر في الرؤيا.
مثال 9: بما أنَّ هناك تشابهًا بين الوضوء والاغتسال في أنَّ كليهما يرفع حَدَثًا، وأنَّ كليهما يمكن أن يصلِّي به المسلم، فقد يدلُّ الوضوء في المنام على الاغتسال، والعكس.

4.  التشابه في صِفَة: هو التشابه بين شيئين في طبيعة أو خِصلة ما، فيدلَّ أحدهما في الرؤيا على الآخر.
مثال 1: بما أنَّ العقرب يشبه الإنسان المؤذي؛ لأنَّ كليهما يؤذي الناس، فيُحتمل أن تدلَّ العقرب في الرؤيا شخصٍ مؤذٍ.
مثال 2: بما أنَّ التلفاز يشبه الإنسان في أنَّ كليهما يصدر عنه كلام، فيُحتمل أن يدلَّ التلفاز في الرؤيا على إنسان.
مثال 3: يمكن تشبيه المسلم المتديِّن بالمصحف الشريف في أنَّ هذا يحمل كلام الله (تعالى) في قلبه، وذاك يحمل كلام الله (تعالى) على وَرَقِه. وبالتالي يُحتمل أن يدلَّ المصحف الشريف في الرؤيا على إنسان مسلم متديِّن.
مثال 4: يمكن تشبيه شعر الرأس بالأفكار والمعتقدات في أنَّ كليهما يخرج من الدماغ. وبالتالي يُحتمل أن يدلَّ شعر الرأس في الرؤيا على الأفكار والمعتقدات.
مثال 5: تشبه الثلاجة البلاد الأوروبيَّة في أنَّ كليهما مكان بارد المناخ. وبالتالي يُحتمل أن تدلَّ الثلاجة في الرؤيا على دولة باردة.
مثال 6: بيتك القديم يشبه أيَّ مكان كنت تقيم فيه أو تتردَّد عليه لفترة، ثم تركته؛ لأنـَّك كنت تقيم في كليهما ثم تركتهما. وبالتالي يُحتمل أن يدلَّ بيتك القديم على هذا المعنى.
مثال 7: يُحتمل أن يدلَّ الشخص المتزوِّج في الرؤيا على شخص آخر متزوِّج مثله؛ للاشتراك في الحالة الاجتماعيَّة نفسها.
مثال 8: يُحتمل أن يدلَّ الشخص الفقير في الرؤيا على شخص آخر فقير مثله؛ للاشتراك في الحالة الاقتصاديَّة نفسها.
مثال 9: تتشابه قطعة الحلوى المغلَّفة مع المرأة المسلمة الجميلة الملتزمة بالزيِّ الشرعيِّ (النقاب أو الحجاب) في أنَّ كليهما جميل الشكل ومستتر. إذن، فيُحتمل إذا رأى مسلم في المنام قطعة حلوى مغلَّفة أن تدلَّ على امرأة جميلة ملتزمة بالزيِّ الشرعيِّ.
مثال 10: يتشابه المنافق مع السيَّارة الفخمة القديمة؛ لأنـَّها سيارة فخمة اسمًا، بينما هي في الواقع لا تصلح للاستخدام، كما أنَّ المنافق ظاهريَّا مسلم، بينما هو في الواقع فاسد لا خير فيه.
مثال 11: يتشابه الوضوء للصلاة مع مرحلة الاستعداد للقيام بعمل مهمٍّ. وبالتالي فقد يدلُّ الوضوء في الرؤيا على الاستعداد للقيام بعمل مهمٍّ.
 

5. التشابه في عمل أو سلوك: هو أن يدلَّ الشخص أو الشيء في الرؤيا على من أو ما يماثله في عمل أو سلوك ما.
مثال: يُحتمل أن يدلَّ مسلم يقوم بعمل صالح في الرؤيا على مسلم مثله يقوم بالعمل الصالح نفسه. وكذلك قد يدلُّ الشخص كثير السفر في الرؤيا على شخص مثله كثير السفر. وأيضًا، قد يدلُّ الشخص المجتهد في الرؤيا على شخص آخر مجتهد مثله…إلخ.

6. التشابه في الحالة: هو أن تتشابه حالة معيَّنة مرَّ بها الرائي من قبل مع حالة أخرى في الرؤيا، فيتمَّ قياس معنى هذه على تلك.
ومن أمثلة ذلك: أنَّ شابًّا مُسلِمًا مهمومًا يرغب في الزواج رأى نفسه في المنام وكأنـَّه يجلس في مكان يشبه فَصْلَه الدراسيَّ القديم الذي كان يُنتَسَب إليه أيَّام المدرسة، وكأنَّ امرأة تجلس على يساره في الفصل. انتهت الرؤيا.
وللعِلم، لم تكن تجلس بجوار هذا الشخص أيَّام المدرسة امرأة؛ لأنَّ المدرسة كانت للذكور فقط، ولكن كان يجلس على يساره ولد طيِّب ذو أخلاق. ففسَّرها له المفسِّر على أنـَّها بشرى بزوجة له، وأنـَّها سوف تكون طيِّبة وذات أخلاق؛ لأنـَّها جلست في الرؤيا في المكان نفسه الذي كان يجلس فيه الولد الطيِّب صاحب الأخلاق في المدرسة.

7. التشابه في المكان: هو أن يتشابه الشيئان في المكان الذي يمران فيه، فيدل أحدهما في الرؤيا على الآخر.
ومن أمثلة ذلك: الطعام في الرؤيا قد يدل على الكلام، فالطعام الطيب قد يدل على الكلام الطيب، والطعام السيء قد يدل على الكلام السيء؛ لمرور الطعام والكلام على الفم واللسان.

ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ قاعدة التشابه هي على درجة من الصعوبة تزيد عن القواعد السابقة التي فسَّرنا فيها الرؤى بالقرآن الكريم والحديث النبويِّ الشريف. ويرجع هذا التفاوت في درجة الصعوبة إلى أنَّ دليل القرآن الكريم والحديث النبويِّ الشريف هو دليل يسهل البحث فيه، ويسهل اكتشاف ارتباط رمز الرؤيا به، فما على المفسِّر إلَّا أن يبحث عن اسم الرمز الوارد في الرؤيا (شجرة، سماء، أرض، بيت…إلخ) في آية كريمة أو حديث نبويٍّ شريف، ثم يكتشف ارتباط اسم الرمز المذكور بمعنى معيَّن في الآية الكريمة أو الحديث الشريف، وهذا سهل ومحصور نسبيًّا.
أمَّا قاعدة التشابه فتكمن صعوبتها في أنـَّها قاعدة ذات حدود واسعة جدًّا؛ إذ يجب على المفسِّر اكتشاف ما هو الشيء الذي يشبه رمز الرؤيا في الواقع، والذي يمكن أن يدلَّ هذا الرمز عليه، وهذا الشيء لا يكون محدَّدًا كما في تشبيهات القرآن الكريم والحديث الشريف، بل يجب على المفسِّر تحديده بنفسه.
فمثلًا: قد يدلُّ العنكبوت في الرؤيا على شخص غير مسلم؛ لأنـَّه مرتبط في آية من آيات القرآن الكريم بهذا المعنى، كما في قول الله (تعالى): ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾ (العنكبوت : 41). فهنا لا يجد مفسِّر الرؤى صعوبة كبيرة عادة في تحديد معنى رمز الرؤيا؛ لأنَّ الشيء الذي يشبهه مذكور في الآية الكريمة. أمَّا في قاعدة التشابه السابق ذكرها، فإنَّ الشيء الذي يشبه رمز الرؤيا في الواقع لا يكون محدَّدًا، بل يكون تحديده متروكًا للمفسِّر، وعليه أن يكتشفه بنفسه.
وكذلك لا بدَّ أن يكتشف المفسِّر الصفة المشتركة (أو وجه التشابه) بين رمز الرؤيا وبين ما قد يدلُّ عليه في الواقع حتَّى يكون التشابه صحيحًا، بينما لا يجب عليه ذلك في تشبيهات القرآن الكريم والحديث الشريف.
فمثلاً: في مثال العنكبوت السابق ذكره، لا يحتاج المفسِّر لمعرفة الصفة المشتركة بين العنكبوت وغير المسلم، والتي يتشابهان فيها (وهي الضعف)، فهذا غير مطلوب في تفسير الرؤيا، ويكفي أنَّ القرآن الكريم قد شبههما، فدلَّ الواحد منهما في الرؤيا على الآخر.
أمَّا في قاعدة التشابه، فإذا قال المفسِّر أنَّ التلفاز في الرؤيا قد يدلُّ على الكمبيوتر للتشابه بينها، فلا بدَّ للمفسِّر أن يحدِّد ما هي صفة التشابه بين الكمبيوتر والتلفاز حتَّى يكون التشابه صحيحًا (وهو التشابه في الشكل).   
ومن أشهر الرؤى التي استُخدِمَت في تفسيرها هذه القاعدة رؤيا يوسف (عليه السلام) التي رآها وهو طفل، والمذكورة في قول الله (تعالى): ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ (يوسف:4). وكان تفسير هذه الرؤيا أنَّ الشمس، والقمر، والكواكب هم الأبُّ، والأمٌّ، والأولاد، كما في قول الله (تعالى): ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا﴾ (يوسف:100) (وقد سجدوا له سجود تحيَّة وتكريم، وكان مُباحًا في شريعتهم، وليس في الشريعة الإسلاميَّة).
 وتظهر قاعدة التشابه في تفسير هذه الرؤيا بوضوح، وهو تشابه في الوظيفة؛ لأنَّ فضل الشمس والقمر على سائر الكواكب يُشبه فضل الأمِّ والأبِّ على أبنائهما. وسبحان من بيده الفضل كلُّه.
والله (تعالى) أعلم.
 

نُشر بواسطة Jamal Hussein

Dream interpretation researcher and analyst

لا توجد آراء بشأن "كيف يتم تفسير الرؤى بقاعدة التشابه؟"

إضافة تعليق

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: