هل تُعدُّ الرؤى مصدرًا من مصادر التشريع في الإسلام؟ وهل يؤخذ حكم شرعيٌّ أو يتغيَّر بناء على رؤيا؟

 اتَّفق علماء المسلمين من أهل السُّنَّة على أنَّ الرؤى ليست مصدرًا من مصادر التشريع في الإسلام، بمعنى أنـَّه لا يمكن لمسلم أن يحكم على شيء ما بأنـَّه حرام، أو حلال، أو فرض، أو سُنَّة، أو مكروه، أو مستحبٌّ بناء فقط على رؤيا رآها هو أو غيره، فإنَّ الدين قد اكتمل بوفاة النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فلا يجوز أن تزيد فيه رؤيا، ولا أن تنتقص منه، يقول الله (تعالى):﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ (المائدة:3).
ولا ينبغي أن تؤخذ الأحكام الشرعيَّة في الأساس إلَّا بناء على آية قرآنيَّة أو حديث نبويٍّ شريف صحيح وليس رؤيا، وذلك لأنَّ الرؤى عادة ما تدخل في تفسيرها الاحتمالات، وبالتالي فإنَّ احتمال الخطأ لا يُنتَفَي عن تفسير الرؤى، حتَّى وإن قلَّ هذا الاحتمال أحيانًا، وكذلك فقد تكون الرؤيا من الشيطان أو من أحاديث النفس. إذن، لا يُمكن بناء أحكام الشرع على شيء قد يتلاعب به الشيطان، أو قد يدخل في تفسيره الظنُّ.
ومن أمثلة الرؤى التي قد يفهم بعض المسلمين منها أنـَّها تفيد حكمًا شرعيًّا: نفترض أنَّ مسلمًا رأى رؤيا أنَّ رجلًا جاءه في المنام، فقال له أن يُبلِّغ المسلمين بأن يقرأوا سورة معيَّنة من القرآن الكريم في يوم معيَّن أو في ساعة معيَّنة، أو أن يصلُّوا خمسين ركعة في ليلة معيَّنة، وإلَّا فسوف يحلُّ عليهم غضب من الله (تعالى) وعقوبة إن لم يفعلوا ذلك، أو نفترض أنـَّه أخبره أنَّ صلاة العصر سوف تصبح ستَّ ركعات ابتداء من يوم كذا،… أو أيَّ شيء من أشباه هذه الرؤى.
فالصواب في التعامل مع هذه الرؤى وأمثالها ألَّا يعتقد المسلم أنَّ ما جاء فيها من أوامر أو نواهٍ مُلزِم له أو لغيره من المسلمين بأيِّ حال من الأحوال، وأن يدرك من يراها، أو من يصله خبر عنها أنَّ الأرجح في تفسيرها أنـَّها تلاعب من الشيطان، وأنَّ الرؤى ليست مصدرًا للتشريع في الإسلام، وأنـَّها ليس لها أيُّ سلطان لتقرير أحكام شرعيَّة على المسلمين لا أساس لها في دينهم، ومصادره، وأصوله المعروفة والموثوقة.
وكذلك فإنَّ الرؤى لا تتغيَّر بها صفة حكم شرعيٍّ كتحويل الفرض إلى سُنَّة أو السُّنَّة إلى فرض.
فعلى سبيل المثال: إذا رأى مسلم في الرؤيا من يقول له: «إن لم تواظب على صلاة النافلة، فستدخل جهنَّم ولا تخرج منها أبدًا»، فالمعلوم من الشرع أنَّ ترك صلاة النافلة – رغم أنـَّه غير مطلوب – إلَّا أنـَّه لا يُخرج الشخص من الإسلام كترك صلاة الفريضة، وبالتالي فلا يؤدي للخلود في جهنَّم (والعياذ بالله تعالى).
وهكذا، لا يجب التعامل مع هذه الرؤيا وأمثالها على أنـَّها يمكن أن يُفهم منها أنَّ صلاة النافلة قد تحوَّلت إلى صلاة فريضة، أو بمعنى آخر أنَّ صفة الحكم الشرعيِّ في أمر من أمور الدين قد تغيَّرت بناء على هذه الرؤيا.
ومن الجدير بالذكر أنـَّه على الرغم من قوَّة احتمال كذب هذه النوعيَّات من الرؤى، ألَّا أنـَّها قد تصدق أحيانًا. وفي هذه الحالة، يكون لها تفسير آخر يختلف تمامًا عمَّا قد يشير إليه ظاهرها من أوامرٍ أو نواهٍ شرعيَّة، وهو تفسير لا يعرفه إلَّا العالمون بالرؤى وتفسيرها.
وببساطة نقول أنَّ القاعدة في هذه المسألة هي أنـَّه إذا رأى مسلم في الرؤيا توجيهًا أو إرشادًا إلى شيء له علاقة بأحكام الإسلام، فلا يخرج هذا عن أن يكون واحدًا من ثلاثة:
1. أن يكون هذا الحكم أو التوجيه بدعة لا أساس لها في الشريعة الإسلاميَّة، وبالتالي فهو باطل، وبالتالي فتنفيذه غير واجب على المسلمين.
ومن ضمن ذلك، ما ذكرناه في الأمثلة السابقة، فلا يوجد في الشرع ما يفرض على المسلمين قراءة سورة معيَّنة من القرآن الكريم في وقت معيَّن، أو يوجب عليهم صلاة خمسين ركعة في ساعة معيَّنة.
2. أن يكون هذا الحكم أو التوجيه مجرَّد تأكيد فقط على شيء له أساس في الشرع، كالتأكيد على الصلاة المفروضة والحثِّ عليها على سبيل المثال، كأن يرى شخص لا يصلِّي الفروض الخمسة من يقول له في المنام: «إن لم تُصَلِّ فرضك، فسيحلُّ عليك غضب شديد من الله (تعالى)». ففي هذه الحالة، ينبغي للشخص أن يتعامل مع هذه الرؤى وأمثالها على أنـَّها رؤى حقٌّ وصدق، فهي لا تأتي بحكم جديد في الشريعة الإسلاميَّة كالأمثلة المذكورة سابقًا، ولكن تأتي لتؤكِّد وتحثَّ فقط على ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
3. أن يكون في الرؤيا تحديد لوقت معيَّن له علاقة بالشرع كتحديد أوَّل يوم في رمضان أو ليلة القدر مثلًا.
وبخصوص هذا النوع الأخير من الرؤى، فإذا كان هناك إجراء في الواقع ينبغي الأخذ به في تحديد الوقت (على سبيل المثال: رؤية الهلال بالعين لتحديد أوَّل يوم من رمضان)، فلا ينبغي الاعتماد على رؤيا المنام.
أمَّا إذا كان في الرؤيا تحديد لليلة القدر مثلًا، والتي لا يمكن تحديد موعدها بدقَّة في الواقع، فينبغي على المسلم حينئذٍ التعامل مع الرؤيا على أنـَّها يُحتمل أو يُرجَّح أن تكون صادقة، لاسيَّما إذا كان الرائي صالحًا. ومع ذلك، فإنَّ احتمال الكذب فيها وارد، وإن كان ضعيفًا؛ لأنَّ الشيطان ليس من مصلحته أن يُري المسلم هذه الرؤيا.
وكذلك، يمكن أن يكون لهذه الرؤيا السابقة تفسير آخر لا علاقة له بليلة القدر، بل بمعنى آخر مستتر في الرؤيا، وتكون ليلة القدر هنا مجرَّد رمز فقط.
فمثلًا: نفترض أنَّ مسلمًا رأى النبيَّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) بهيئته الشريفة يخبره أنَّ ليلة القدر سوف تقع في ليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان، فهذه الرؤيا صادقة على الأرجح، ولكن قد يكون لليلة القدر في هذه الرؤيا تفسير آخر لا علاقة له بليلة القدر نفسها، كأن تكون رمزًا لرفعة قدر الرائي مثلًا، أو غير ذلك من المعاني الخفيَّة التي لا يفهمها إلَّا العالمون بالرؤى وتفسيرها. وبالتالي، لا ينبغي أن يخرج تفسير هذه النوعية من الرؤى عن دائرة الاحتمال حتَّى ولو كان قويًّا راجحًا. 

كانت رؤى المسلمين في بعض الأحيان مصدرًا من مصادر التشريع في عهد النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، بشرط أن تُعرض الرؤيا عليه (صلَّى الله عليه وسلَّم)، ويقرَّ ما جاء فيها، حتَّى تخرج الرؤيا من دائرة الظنِّ والاحتمال إلى دائرة اليقين المؤيَّد بالوحي الإلهيِّ، وإلَّا فلا، ولهذا أُغلق هذا الباب تمامًا بعد وفاة النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، واكتمال الإسلام وشرائعه. ومن أمثلة الرؤى التي استخدمت كمصدر للتشريع في عهد النبيِّ، وأقرَّها (صلَّى الله عليه وسلَّم) ما روي عن عبد الله بن عمر (رضي الله تعالى عنهما) أنَّه قال: أنَّ رجلًا – من الأنصار – رأى فيما يرى النائم، قيل له: بأيِّ شيء أمركم نبيُّكم (صلَّى الله عليه وسلم)؟ قال: أمرنا أن نسبِّح ثلاثًا وثلاثين، ونحمد ثلاثًا وثلاثين، ونكبِّر أربعًا وثلاثين، فتلك مائة، قال: سبِّحوا خمسًا وعشرين، واحمدوا خمسًا وعشرين، وكبِّروا خمسًا وعشرين، وهلِّلوا خمسًا وعشرين، فتلك مائة، فلمَّا أصبح ذكر ذلك للنبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم): «افعلوا كما قال الأنصاريُّ» (حديث حسن صحيح – رواه النسائيُّ).

والله (تعالى) أعلم

نُشر بواسطة Jamal Hussein

Dream interpretation researcher and analyst

لا توجد آراء بشأن "هل تُعدُّ الرؤى مصدرًا من مصادر التشريع في الإسلام؟ وهل يؤخذ حكم شرعيٌّ أو يتغيَّر بناء على رؤيا؟"

إضافة تعليق

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: