هذا السؤال هو أحد الأسئلة المحيِّرة في حياة المسلمين في هذا الزمان، فكثير منهم قد يرى رؤى، ويشعر أنـَّها تخبره بأشياء، أو توجِّهه للقيام بأشياء، أو تحذِّره من أشياء.
ولكن هل يتَّخذ المسلم قرارات مهمَّة في حياته بناء على تفسير رؤيا؟ هل يلتحق بهذا العمل أو لا يلتحق به بناء على تفسير رؤيا؟ هل يتزوَّج من هذه المرأة أو لا يتزوَّج بناء على تفسير رؤيا؟ هل يفعل أو لا يفعل بناء على تفسير رؤيا؟
ثم كيف له يبني حياته ويتَّخذ قراراته بناء على تفسير رؤى منام، وهو يعلم أنَّ تفسير الرؤى قد يخطيء وقد يصيب؟ هل يبني حياته ومستقبله على الظنِّ؟
أسئلة كثيرة وكبيرة تدور في أذهان المسلمين، فتجد منهم من يذهب بهذه الأسئلة إلى العلماء الشرعيِّين، فلا يجدون عندهم إلَّا التحذير من بناء حياتهم وقراراتهم على تفسير الرؤى؛ لأنـِّها إن صدقت، فإنِّ صحِّة تفسيرها غير مؤكدة، فما بالك إن كذبت، وقد يورِّط المسلم نفسه ويبني حياته على وهم.
ولا شكَّ أنَّ رؤى المسلم الصالح في هذا الزمان أقرب كثيرًا إلى الصدق منها إلى الكذب؛ لقول النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم): «في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب» (حديث صحيح – رواه الترمذيُّ)، لاسيَّما إذا كانت رؤيا مفرحة، ينشرح لها الصدر، فإذا ما سأل الرائي عن تفسيرها عالِمًا لبيبًا ذا علم بالشرع وأحوال الناس، وذا كفاءة في تفسير الرؤى، فقد أصاب التفسير الصحيح، أو كاد.
أمَّا من جهة الاعتماد على تفسير الرؤى في اتِّخاذ القرارات، فهذا يختلف من مسلم إلى آخر.
وبصفة عامَّة، على المسلم في الظروف العاديـَّة أن ينتهج نهجًا وسطًا في التعامل مع الرؤى الصادقة.
فمن ناحية، يهتمُّ بها دون استهانة، ويحاول معرفة تفسيرها باستشارة العلماء الأتقياء الثقات، ويستبشر بها، ويسأل الله (تعالى) أن تتحقَّق، وينتظر كرم الله (عزَّ وجلَّ) وفضله الذي بشَّره به (سبحانه) في الرؤيا.
ومن ناحية أخرى، إذا كانت لديه أسباب معيَّنة مشروعة للوصول إلى ما يريد تحقيقه من أمر مشروع، فليأخذ بهذه الأسباب، وليتوكَّل على الله (تعالى)، ولتكن الرؤيا حافزًا له على السعي، وليست عائقًا في حياته يدفعه إلى القعود والكسل.
وقد لوحظ أنـَّه كلَّما كان المسلم أقدر على الفهم والإدراك الصحيح للأشياء، وكلَّما كان المسلم أكثر قوَّة وتمكينًا في أسباب تحقيق الأمور، قلَّ اعتماده على الرؤى في اتِّخاذ القرارات.
وعلى العكس من ذلك، فكلَّما كان المسلم يعيش في أوضاع من البلبلة والحيرة بحيث لا يستطيع فهم الأمور التي تحيط به بشكل جيِّد، أو تحديد الصواب من الخطأ فيها، وكلَّما كان المسلم يعيش تحت أوضاع من القهر، والاضطرار، والاستضعاف بحيث لا يملك الكثير من أسباب تحقيق الأمور، زاد اعتماده على الرؤى في اتِّخاذ القرارات غالبًا.
ولا شكَّ أنَّ كثيرًا من المسلمين في هذا الزمان قد أصبحوا يعانون بدرجة كبيرة جدًّا من أوضاع مأساويـَّة كالغربة النفسيَّة، وتعاظُم الفتن، وقلَّة الصالحين، وانتشار المنافقين، وازدياد العداوة ضدَّ الإسلام والمسلمين، والتضييق على المتديِّنين، وقلَّة العلماء، وكثرة السفهاء، وتنامي الفسق، والانفلات من تعاليم الإسلام، وضياع الأمانة، وانتشار القسوة وسوء الأخلاق والماديَّة، والحرص الشديد على متاع الدنيا.
هذا إلى جانب العديد من البلايا العامَّة التي انتشرت بشكل كبير جدًّا بين المسلمين كالفقر، والمرض، والظلم.
وهنا، وفي ظلِّ هذا المناخ المُظلم الفاسد الذي يُعاني فيه المسلم الصالح الأمَرَّين، ويقاسي بسببه الويلات، ولا يجد فيه من يواسيه، ولا من يتفهَّم مخاوفه وظروفه، ولا من يُراعي حاجته وغربته، ولو حتَّى من أقرب الناس إليه في كثير من الأحيان مع الأسف. في ظلِّ هذا المناخ الأسود، يزداد احتياج المسلم إلى بصيص من الأمل قد يتمثَّل في كثير من الأحيان في الرؤى الصادقة التي هي جزء من أجزاء النبوَّة، ورحمة من الله (تعالى) بالمؤمن، وبالتالي يتنامى اعتماده في اتِّخاذ قرارات حياته على الرؤى بشكل تلقائيٍّ.
والاعتماد على الرؤى في اتخاذ القرارات قد يكون جيِّدًا إذا كان منضبطًا ومحكومًا، وقد يؤدِّي إلى مخاطر إذا كان مُنفَلِتًا غير محكوم.
ومن ضمن الضوابط التي ينبغي أن يراعيها المسلم عند اعتماده على تفسير الرؤى في اتِّخاذ القرارات:
1. أن تخلو الرؤيا من عوامل وأسباب الضعف التي قد تجعل تفسيرها صعبًا، أو متعدِّد الاحتمالات، أو قد تكون الرؤيا قريبة الشَّبَه بأحاديث النفس، أو بالرؤى التي تكون من الشيطان.
2. لا يؤخذ تفسير الرؤيا إلَّا من شخص مسلم عالم بتفسير الرؤى، مشهود له بالكفاءة والصلاح، بالإضافة إلى معرفته الجيِّدة بأحوال صاحب الرؤيا.
3. يجب ألَّا يؤدِّي تفسير الرؤيا والاعتماد عليها إلى ما يخالف الشريعة الإسلاميَّة.
4. ينبغي ألَّا يترك المسلم أسباب تحصيل المصالح أو مشورة أهل التقوى والعلم، ويعتمد على الرؤيا فقط في توجيه حياته، ولكن ما أفضل أن تجتمع الرؤيا مع المشورة والأخذ بالأسباب، فيكون هذا هو عين المطلوب.
وللأمانة في عرض المسألة من جميع جوانبها، ورغم هذه الضوابط التي ذكرتها، فقد أصبحت حالة الكثيرين من المسلمين على درجة من السوء تجعلهم يعيشون في حالات من الاكتئاب والضغط المستمرِّ بحيث يتعلَّقون بالرؤى تعلُّق الغريق بأيِّ شيء يمكن أن يُنجِّيه ممَّا هو فيه متجاهلين بعض الضوابط المذكورة سابقًا.
فكثير منهم لا يسأل بالضرورة أهل العلم عن رؤياه، بل قد يسأل عنها مجهولًا أو غير ثقة. وكذلك، فكثير منهم يعتمد على الرؤى كناصح ومستشار في توجيه حياته في ظلِّ ندرة الصالحين والناصحين والعقلاء، وفي ظلِّ حالة التفكُّك الاجتماعيِّ والأسريِّ التي تعاني منها الكثير من البيوت المسلمة.
وممَّا زاد من الاعتماد على الرؤى والتطلُّع إليها أيضًا حالة الضعف التي يعاني منها الكثير من المسلمين؛ إذ لا يملك العديد منهم أسباب تحقيق المرادات.
وقد يعتمد بعض المسلمين على تفسير الرؤى في اتِّخاذ قراراتهم، ولو كان في ذلك مخاطرة هربًا من ضغط أو همٍّ شديد، أو أملًا في تحقيق أمنية عزيزة.
أمَّا عن نفسي، فلا أملك أمام هذه الحالة الصعبة المعقَّدة إلَّا ثلاثة أشياء:
الأوَّل: هو أن أدعو الله (تعالى) أن يُكثِّر من رؤى المسلمين الصادقة، وأن يجعل رؤاهم نجاة لهم من الشرِّ والمصائب، ومرشدًا لهم إلى الخير، وألَّا يصاب مسلم بمصيبة أو يتورَّط في بلاء بسبب رؤيا اعتمد عليها في توجيه أمور حياته. فاللَّهم ارحمنا وارحم أمَّة نبيِّنا محمَّد (صلَّى الله عليه وسلَّم) رحمة عامَّة في هذا الزمان الفاسد أهله إلَّا من رحم الله (عزَّ وجلَّ).
أمَّا الثاني: فهو أن أنصح المسلمين بألَّا يغنيهم الاعتماد على الرؤى عن استشارة أهل الدين، والعلم، والخبرة من الأتقياء والعقلاء في أمور حياتهم، فإنَّ الرؤى لا تُغني عن الاستشارة، وقد قال الله (تعالى): ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (سورة النحل:43).
وأخيرًا: أن أحاول بقدر ما أستطيع أن أفسِّر الرؤى للمسلمين، بما يحقِّق لهم أكبر استفادة ممكنة منها، وبما يمنع عنهم أيَّ أضرار أو مخاطر محتملة بسببها، وكذلك أن أحاول نشر العلم وتوعية المسلمين بكيفيَّة التعامل السليم مع الرؤى.
والله (تعالى) أعلم.
قام بإعادة تدوين هذه على مدونة تفسير الأحلام.
إعجابإعجاب
أود فقط ان أشكرك لنشر معلومة قيمة و طرح نقاش في غاية الأهمية. الله يباركلك و يعطيك ما تتمنى الله يفرحك، الله يزيدك علم. فكل كلمة كتبتها جبرة بخاطري و كانت لي بصيص الأمل حيث يفنى الأمل . شكرا و فضلا استمر في توعيتنا و إنارة عقولنا
إعجابLiked by 1 person
ولك بالمثل إن شاء الله. بارك الله فيك وحفظك ونفعك ونفع بك ووفقك لكل خير.
إعجابإعجاب