للرؤى الصادقة أهميـَّة كبيرة في حياة المسلم. ويمكن أن نذكُر هنا عددًا من الأدوار المهمة التي تؤدِّيها الرؤى في حياة المسلم، وهي:
1. تقوية العلاقة بين المسلم وبين الله (عزَّ وجلَّ).
2. تشجيع المسلم على الطاعات، وتثبيته عليها، وتنفيره من المعاصي، وإبعاده عنها.
3. العديد من المسلمين الجدد دخلوا في الإسلام بسبب رؤى صادقة رأوها.
4. تسلية الصابرين من أصحاب البلاءات والمنكوبين من المسلمين، وتبشيرهم بالفرج.
5. توجيه المسلم إلى شيء يفيده في دينه ودنياه، أو تحذيره من شيء يضرُّه في دينه ودنياه.
6. مدح ناس، وإظهار صلاحهم، وذمُّ آخرين، وفضح فسادهم.
7. تعليم المسلم شيئًا معيَّنًا يجهله.
8. تبشير المسلم بالنصر، ورفعة الشأن، والمستقبل العظيم في الدنيا والآخرة.
أمَّا عن انشغال المسلم بالرؤى، فقد يكون خيرًا أحيانًا، وقد يكون شرًّا أحيانًا أخرى.
فإذا كان هذا الانشغال يؤدِّي بالمسلم إلى ما فيه إصلاح، وتطوير، وتقوية دينه ودنياه، فما أجمل هذا الانشغال! وما أعظمه!
أمَّا إذا كان هذا الانشغال هو مجرَّد تسلية، وفضول، وتفاؤل وتشاؤم فقط دون أن يكون له أثر حسن في دين المسلم ودنياه، فهذا هو الانحراف عن الهدف الرئيس لتفسير الرؤى الصادقة، وهذا هو العبث وتضييع الوقت الذي لا ينتج عنه في النهاية إلَّا خسران الدنيا والآخرة (والعياذ بالله تعالى).
تفصيلات وأدلة
(1) بما أنَّ الرؤى الصادقة تكون من الله (عزَّ وجلَّ)، فإنَّها تقوم بدوركبير في تقوية شعور المسلم بقرب الله (سبحانه وتعالى) منه، وبالتالي يؤدِّي ذلك إلى توطيد العلاقة بين المسلم وخالقه (جلَّ جلاله). وقد لوحظ أنَّ العديد من عصاة المسلمين قد التزموا (بفضل الله [تعالى]) بسبب رؤى رأوها، فيها ترغيب، أو ترهيب، أو نصيحة، أو عتاب.
(2) أمَّا الرؤى التي تبيِّن للمسلم المعروف، وتحثُّه عليه، وتبيِّن له المنكر، وتحذِّره منه، فربَّما تندرج تحت معنى قول الله (تعالى): ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (التوبة:115).
(3) من أمثلة الرؤى التي كانت – بفضل الله (تعالى) – سببًا في هداية بعضٍ من غير المسلمين إلى الإسلام – الرؤيا التي رآها الدكتور وديع أحمد (الشمَّاس المصريُّ السابق) الذي تحوُّل – بحمد الله (تعالى)- بعدها من النصرانيـَّة إلى الإسلام.
يقول الدكتور عن هذه الرؤيا: «وذات يوم غلبني النوم، فوضعت المصحف بجواري، وقرب الفجر رأيت نورًا فى جدار الحجرة، وظهر رجل وجهه مضيء، اقترب منِّي، وأشار إلى المصحف، فمددت يدي لأُسلِّم عليه، لكنَّه اختفى، ووقع في قلبي أنَّ هذا الرجل هو النبيُّ محمَّد (صلَّى الله عليه وسلَّم) يشير إلى أنَّ القرآن هو طريق النور والهداية» (من كتاب رجال ونساء أسلموا – موقع الدكتور على الإنترنت).
(4) رؤى البشرى بالفرج للمهموميـن هي من أكثر الرؤى شيوعًا بين المسلمين، فلا يكاد يوجد مسلم لا يعرف هذا النـوع من الرؤى.
(5) كثيرة هي الرؤى التي توجِّه الشخص إلى أشياء مفيدة في دينه ودنياه، ومنها: الرؤيا التي رآها ملك مصر الهكسوسيُّ، والتي ذُكِرت في القرآن الكريم في قول الله (تعالى): ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ (يوسف:43)، وهي الرؤيا التي فسَّرها له يوسف (عليه السلام) بأنَّ فيها توجيهات اقتصاديـَّة لحماية البلد من أثر مجاعة عظيمة، أو كما جاء في قول الله (تعالى) على لسان يوسف (عليه السلام): ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48)﴾ (سورة يوسف).
(6) أمَّا الرؤى التي تمدح أو تذمُّ شخصًا، فمنها ما هو مباشر، واضح، يسهل فهمه على المسلم العاديِّ، ومنها ما هو مرموز، صعب، يحتاج إلى تفسير واستنباط لمعناه على يد أحد المتخصِّصين في تفسير الرؤى.
ومن أمثلة رؤى المدح المباشر لشخص: الرؤيا التي رآها النبيُّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) في تزكية عِلم عمر بن الخطَّاب (رضي الله [تعالى] عنه)، فقد جاء عن النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنـَّه قال: «بينا أنا نائم أُتيتُ بقَدَحِ لبن، فَشَرِبْتُ منه حتَّى إنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يجري، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلَهُ عُمَرَ»، قالوا: فما أوَّلتَه يا رسول الله؟ قال: «العِلْمُ» (مُتَّفق عليه).
أمَّا بخصوص الرؤى التي تمدح أو تذمُّ شخصًا بشكل غير مباشر، فمن أمثلتها: أن يرى شخص في منامه حمامة بيضاء، فهذا رمز قد يدلُّ على امرأة صالحة، أو أن يرى في منامه ثعبانًا، فهذا رمز قد يدلُّ على شخص فاسد مؤذٍ، وتحتاج هذه الرؤى لاجتهاد من المفسِّر من أجل معرفة الأشخاص الذين قد تشير إليهم في الواقع هذه الرموز وأمثالها.
(7) أمَّا الرؤى التي يمكن أن يتعلَّم المسلم منها شيئًا مفيدًا، فمن أمثلتها: رؤى الصحابة (رضي الله [تعالى] عنهم) التي علموا من خلالها أنَّ ليلة القدر قد تكون في أحد الأيام السبعة الأواخر من شهر رمضان، وقد أخبرهم النبيُّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) بتفسير هذه الرؤى حتَّى ينفي عنه أيَّ شكٍّ أو احتمال، أو كما جاء في الحديث الشريف عن عبد الله بن عمر (رضي الله [تعالى] عنهما) أنـَّه قال أنَّ رجالًا من أصحاب النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) أُرُوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم): «أرى رؤياكم قد تَوَاطَأَت في السبع الأواخر، فمن كان مُتحرِّيَها فَلْيَتَحرَّهَا في السبع الأواخر» (أي في آخر سبع ليال ٍمن شهر رمضان الكريم). (مُتَّفق عليه)
(8) أمَّا الرؤى التي تُبشِّر المسلم الصالح بالمستقبل العظيم، فهي كثيرة (بفضل الله [تعالى])، ومن أشهر أمثلتها: الرؤيا التي رآها النبيُّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) في المدينة المنوَّرة قبل فتح مكَّة بعام، والتي بشَّرته (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنـَّه سوف يدخلها هو وأصحابه (رضي الله [تعالى] عنهم) آمنين، فاتحين، منتصرين؛ وهي الرؤيا التي جاء ذكرها في قول الله (تعالى): ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ (الفتح:27).
أمَّا بخصوص الاهتمام بالرؤى، فالصَّواب والمفترض أن تمنح الرؤى الصادقة المسلم دفعة معنويـَّة قويـَّة للإقبال على ما فيه خير دينه ودنياه، فهي وسيلة إلى هدف محدَّد، وليست غاية في ذاتها. أمَّا الخطأ فهو التعامل مع الرؤى على أنها هدف في ذاتها دون أن يكون لها أيُّ تأثير إيجابيٍّ على المسلم يدفعه إلى ترقية التزامه بدينه، وتطوير معيشته.
وقد اشتهرت عن الإمام أحمد بن حنبل عبارة في هذا السياق، وهي قوله (رحمه الله [تعالى]): «رؤيا المؤمن تسُرُّه ولا تَغُرُّه» (الآداب الشرعيَّة)، ومعنى هذه العبارة: أنَّ التعامل الصحيح للمسلم مع الرؤيا الصالحة هو أن يفرح بها، ويستبشر خيرًا بفضل الله (تعالى)، وبرحمته (سبحانه)، ممَّا يدفعه للمزيد من تحقيق التقدُّم في دينه ودنياه، أمَّا الخطأ فهو أن تُسبِّب له هذه الرؤيا غرورًا في نفسه ممَّا قد يؤدِّي به إلى أن يُقصِّر في القيام بما فيه خير دينه ودنياه.
والله (تعالى) أعلم.
قام بإعادة تدوين هذه على مدونة تفسير الأحلام.
إعجابإعجاب