هل يجوز استخدام الحديث الضعيف أو الموضوع في تفسير الرؤى؟

للإجابة على هذا السؤال يمكن القول بأنـَّه لا يجوز بناء قاعدة في علم تفسير الرؤى إلَّا بناء على على حديث صحيح أو حسن؛ لأنَّ قواعد العلم الشرعيِّ أو ما يرتبط به من العلوم – كعلم تفسير الرؤى – لا ينبغي أن  تُبنى إلَّا على أدلَّة يقينيَّة الثبوت، وهو ما لا ينطبق على الحديث الضعيف ولا الموضوع.
ومع ذلك، فإنَّ استخدام الحديث الضعيف في تفسير رموز الرؤى قد يجوز من وجه، وقد لايجوز من وجه آخر. فمن جهة، لا يجوز الاستدلال بالحديث الضعيف في تفسير رموز الرؤى كحديث نبويٍّ شريف؛ أي لا يجوز اعتباره دليلًا في ذاته على معنى رمز في رؤيا، وذلك من باب الاحتياط؛ لأنـَّه لم يثبت عن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم)، ولكن يجوز العمل بمعنى الحديث الضعيف فقط في تفسير الرموز بشروط، وهي كالتالي:
1. أن يكون معناه مُتَوَافقًا مع الشريعة الإسلاميَّة، أو على الأقل ألَّا ينافيها.
2. أن تنطبق على معناه قاعدة من القواعد الصحيحة لتفسير الرؤى كآية قرآنيَّة، أو حديث نبويٍّ شريف صحيح، أو تشابه، أو كناية…إلخ.
ويمكن إعطاء أمثلة على ذلك كالتالي:
مثال 1: نقول مثلًا في تفسير رؤيا السجن بأنـَّها للمؤمن دنياه أو حياته؛ لقول النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم): «الدنيا سجن المؤمن» (رواه مسلم). فالارتباط بالتشابه في الحديث الشريف هنا بين دنيا المؤمن والسجن كافٍ لتفسير السجن في رؤيا المؤمن بالدنيا. فالحديث هنا لأنـَّه صحيح فهو في ذاته دليل يُكتَفى به على تفسير الرمز، فيُقال عند تفسير رمز السجن في الرؤيا: السجن يُفسَّر في الرؤيا للمؤمن بدنياه أو حياته، والدليل هو قول النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم): «الحديث السابق».
ولكن على خلاف ممَّا سبق، جاء في حديث ضعيف جدًّا: «إيَّاكم وخضراءَ الدِّمَن، فقيل: وما خضراءُ الدِّمَن؟ قال: المرأةُ الحسناء في المنبَت السوء» (السلسلة الضعيفة). ففي هذا الكلام تشبيه للمرأة الحسناء التي تربَّت في بيئة فاسدة بالشجرة الناضرة (الخضراء) التي تنبت في المكان الذي تقضي فيه البهائم حاجتها (الدِّمنة، وجمعها: الدِّمَن)، فهي كالشجرة الجميلة المظهر والحلوة الشكل، ولكنَّها في سوء تربيتها وفساد أصلها كالتي نبتت في مكان اجتماع غائط البهائم وأبوالها.
ولكن هل يجوز أن نقول في تفسير رؤيا أنَّ من رأى في المنام خضراء الدِّمَن، فهي تدلُّ على امرأة حسناء المظهر فاسدة التربية؛ للحديث السابق  الضعيف جدًّا؟ الجواب: إنَّ هذا لا يجوز؛ لأنَّ ضعف هذا الحديث لا يجعله يصلح كدليل في ذاته على تفسير رموز رؤيا. إذن، فهل نُسقطُهُ تمامًا من تفسير رموز الرؤيا، ولا نلتفت إليه؟ الجواب: ليس تمامًا، بل يمكن أن نستخدمه في تفسير الرؤيا، ولكن ليس كحديث نبويٍّ شريف، بل نأخذ منه معناه أوَّلًا، وكأنـَّه قول مأثور أو حكمة.
ثم ننظر في معنى الكلام، هل يخالف الشريعة الإسلاميَّة؟ أم يلتقي معها؟ الجواب: أنـَّه في هذا الحديث السابق لا يخالف الشريعة الإسلاميَّة، وكيف ذلك؟ الجواب: أنَّ فيه تحذيرًا للمؤمنين من الزواج بالمرأة الفاسدة التربية، والنبيُّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) يقول: «تُنكَح المرأة لأربع: لمالِها، ولحَسَبِها، ولجمالِها، ولدينِها. فَاظْفَر بذات الدِّين تَرِبَت يداك» (مُتَّفق عليه)، فهذا أوَّل شرط من الشروط المذكورة سابقًا قد تحقَّق.
ثم ننظر في معنى الكلام مرَّة أخرى، هل يمكن أن نُطبِّق على معناه قاعدة صحيحة من قواعد تفسير الرؤى، فنجد أنَّ في الكلام تشبيهًا للمرأة الحسناء بالنبتة الخضراء، فهو تشابه بينهما في صفة الحُسن والجمال، بينما نجد تشابُهًا بين البيئة السيِّئة والدِّمنة في القذارة. وبالتالي أمكننا تطبيق قاعدة التشابه على معنى هذا الحديث الضعيف. وهكذا، فقد تحقَّق فيه الشرطان المطلوبان لقبول معناه في تفسير الرؤيا، فنقول أنَّ من رأى في منامه شجرة خضراء نبتت في دمنة، فيُحتمل أن تدلَّ على امرأة حسناء نشأت في بيئة فاسدة، والدليل هو وجود تشابه بين الحالتين. وهكذا، أخذنا معنى الحديث الضعيف، وركَّبنا عليه قاعدة صحيحة من قواعد تفسير الرؤى، فاستفدنا منه في تفسيرها دون حرج.
مثال 2: جاء في حديث موضوع: «أوحى الله إلى الدنيا أن اخدمي من خدمني، وأتعبي من خدمك» (السلسلة الضعيفة). فإذا افترضنا أنَّ مُسلِمًا رأى في منامه أنـَّه يخدم الله (عزَّ وجلَّ)، فهل يمكن تفسير هذه الرؤيا بأنَّ معناها أنَّ الله (سبحانه) سيُسخِّر له الدنيا لتخدمه (لتعطيه من نعيمها) بحسب المعنى الوارد في الحديث السابق الموضوع؟ الجواب: لا يجوز الاستدلال بحديث موضوع كحديث في ذاته لتفسير رموز الرؤيا، بل نأخذ منه معناه فقط.
ثم ننظر في هذا المعنى، هل يتَّفق مع الشريعة الإسلاميَّة؟ هل لمعناه أصل فيها؟ الجواب: نعم؛ لقول النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم): «من كانت الآخرة همَّه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغِمَة، ومن كانت الدنيا همَّه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّر له» (حديث صحيح – رواه الترمذيُّ). وكذلك قوله (صلَّى الله عليه وسلَّم): «إنَّ الله – تعالى – يقول: يا ابن آدم! تفرَّغ لعبادتي أملأ صدرك غِنًى، وأسُدَّ فقرك، وإلَّا تفعل، مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغلًا، ولم أسُدَّ فقرك» (حديث صحيح – رواه الترمذيُّ)، فهذا أوَّل شرط من الشروط المذكورة سابقًا قد تحقَّق.
ثم ننظر في الكلام مرة أخرى، هل يمكن أن نُطبِّق على معناه قاعدة صحيحة من قواعد تفسير الرؤى؟ والجواب: نعم، يمكن أن نأتي بدليل على هذا المعنى من القرآن الكريم، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (الصافَّات:39)، فالجزاء من جنس العمل، فمن خدم الله (سبحانه) في الرؤيا دلَّ على أنَّ الله (تعالى) يُسخِّر له الدنيا تخدمه في اليقظة. وهكذا يمكن أن نقول أنَّ من رأى في منامه أنـَّه يخدم الله (تعالى)، فيُحتمل أن يدلَّ ذلك على أنَّ الدنيا بنعيمها مقبلة عليه؛ لقول الله (تعالى): ﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (الصافَّات:39).
مثال 3: جاء في حديث ضعيف: أنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) وقف على مزبلة، فقال: «هَلُمُّوا إلى الدنيا»، وأخذ خِرقًا قد بَلِيَت على تلك المزبلة، وعظامًا قد نُخِرت، فقال: «هذه الدُّنيا» (شُعَب الإيمان). فهل يجوز بناء على هذا الحديث أن نفسِّر رؤيا المزبلة بأنـَّها الدنيا، وأنَّ ما فيها من قمامة هي نعيم الدنيا الذي يتنافس فيه الناس؟ والجواب: لا يجوز الاستدلال بحديث ضعيف في تفسير رؤيا، ولكن نأخذ معناه.
ثم ننظر إن كان المعنى مُتَّفقًا مع الشريعة الإسلامية أم لا. ففي هذه الحالة، لا يختلف تشبيه الدنيا بالمزبلة بغرض التحقير مع مفهوم حقارة الدنيا في الإسلام، والذي عبر عنه النبيُّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) بقوله: «لو كانت الدنيا تَعدِل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرًا منها شربة ماء» (حديث صحيح – صحيح الجامع).
ثم ننظر في إمكانيَّة تطبيق قاعدة من القواعد الصحيحة لتفسير الرؤى على المعنى، فنجد تشابُهًا بين الدنيا والمزبلة؛ لأنَّ الدنيا كلَّها إلى هلاك، والمزبلة هي مكان يجتمع فيه كلُّ شيء هالك، فكأنَّ الهلاك هو معنى مشترك أو وجه شبه بين الدنيا والمزبلة. وكذلك فالهلاك هو وجه شبه بين نعيم الدنيا والقمامة؛ للاشتراك في نفس المصير (صفة مشتركة). وهكذا يمكن أن نقول أنَّ من رأى في المنام مزبلة، فيُحتمل أن تدلَّ على الدنيا، أمَّا القمامة فقد تدلُّ على نعيم الدنيا، والدليل على ذلك هو وجود تشابه بين الدنيا والمزبلة، وبين نعيم الدنيا والقمامة.
والله (تعالى) أعلم.
 

نُشر بواسطة Jamal Hussein

Dream interpretation researcher and analyst

لا توجد آراء بشأن "هل يجوز استخدام الحديث الضعيف أو الموضوع في تفسير الرؤى؟"

إضافة تعليق

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: