قد يبدو هذا السؤال من وجهة نظر البعض سؤالًا ساذجًا أو لا يستحقُّ الإجابة عليه لاسيَّما إذا أُلقي على مسامع من لهم بعض الثقافة أو الخبرة في التعامل مع الرؤى وتفسيرها؛ لأنَّ صيغة السؤال قد تبدو في ظاهرها سطحيَّة تدلُّ على سائل لا يعرف شيئًا عن حقيقة الرؤى الصادقة في القرآن والسُّنَّة.
وقد يبدو من السؤال أنَّ السائل لا يعرف أنَّ ما يراه في الرؤى كثيرًا ما يكون رموزًا تدلُّ على معانٍ أخرى تختلف عمَّا يظهر منها، وتحتاج لتفسير على يد متخصِّص، وربَّما تصوَّر البعض أنَّ تحقُّق الرؤيا هو بالضرورة تحقُّق ما رآه فعلًا في المنام من صور وأصوات…إلخ!!
وعلى النقيض، فقد يكون هذا السؤال مخيفًا ومفزعًا إذا ما دار بذهن آخرين من المهتمِّين بالرؤى وتفسيرها. فالمسلم صاحب الخبرة في التعامل مع الرؤى وتفسيرها قد يُفسِّر رؤاه أو تُفسَّر له على أفضل ما يُحب من الاحتمالات، فيتسبَّب له ذلك لا إراديًّا في حالة من السعادة والأمل في انتظار تحقُّق التفسير الجميل الذي ينتظره، فماذا لو لم يتحقَّق؟؟
والإجابة ببساطة هي أنَّنا – معشر المسلمين – ينبغي علينا أنَّ نهتمَّ بالرؤى وبتفسيرها، فهذا جزء من عقيدتنا وحياتنا لا يصحُّ أن نغفله، وإلَّا نكون قد وقعنا في تقصير وظلمنا أنفسنا بهذا، فإنَّ الله (تعالى) لم يخلق هذه الرؤى الصادقة عبثًا (وحاشاه سبحانه)، بل هي رسائل مهمَّة للمسلم، وبالتالي فلا يُتصوَّر أن يتعامل المسلم مع رؤاه بإهمال ولامبالاة. هذا جانب مهمٌّ من جوانب المسألة.
وليعلم المسلم أنَّه إذا ما رأى رؤيا، فسأل عن تفسيرها شخصًا مسلمًا، صالحًا، تقيًّا، عالمًا بتفسير الرؤى، مشهودًا له بالكفاءة في ذلك، فقد أصاب التفسير الصحيح للرؤيا أو كاد.
ويبقى هنا شيء واحد فقط ينبغي على المسلم أن يتيقَّن منه، وهو أنَّ تحقُّق هذه الرؤى هو بيد الله (عزَّ وجلَّ) وحده (سبحانه)، فلا يوجد أيُّ شخص في الدنيا يمكن أن يضمن لك أن تتحقَّق رؤياك كما فسَّرها لك المفسِّر، ولو كان التفسير صحيحًا، فتفسير الرؤيا ليس عهدًا على الله (تعالى)، ولا وعدًا منه (سبحانه) أنَّ ما فُسِّرت عليه سوف يقع بالضرورة، فما تفسير الرؤى إلَّا اجتهاد، والله (تعالى) هو الموفِّق إلى الخير.
وبالتالي، فلا تتعامل مع الرؤيا وتفسيرها على أنَّك قد عرفت الغيب وضمنت مستقبلك، فما هذا إلَّا جهل لا يليق بالمسلم في تعامله مع الله (عزَّ وجلَّ)، فالعليم بالغيب هو الله (تعالى)، بيده خير الدنيا والآخرة (سبحانه).
وهكذا، نفسِّر الرؤى، ونهتمُّ بها، ونستبشر بها خيرًا، أمَّا بخصوص تحقُّقها فلا يوجد إلَّا الأمل في كرم الله (تعالى)، والرجاء في رحمته (سبحانه)، والدعاء الصادق إليه (جلَّ جلاله) بتحقيقها، وحُسن الظنِّ به (عزَّ وجلَّ)، فهذه أمور ما خاب أبدًا ولا خُذِل من أخذ بها، ولا ضاع ولا حُرِم من تعلَّق بها.
فإذا لم تتحقَّق رؤياك اليوم، فلا حرمك الربُّ الكريم من أن تتحقَّق غدًا، وإذا لم تتحقَّق لك كما فسَّرتها، فعسى أن يحقِّقها لك الرحمن الرحيم (سبحانه) بأفضل ممَّا تُقَرُّ به عينك، ويُسَرُّ به قلبك، وترضى به عن مولاك (تبارك وتعالى وعزَّ وجلَّ).
اللَّهم أكرمنا وأكرم كلَّ مسلم مؤمن يحبُّك ورسولَك ويكره عدوَّك وعدو رسولِك بتحقيق رؤاهم على كلِّ خير يتمنُّوه وأفضل منه، ولا تخذلنا اللَّهم في رؤانا، ووفقنا لأصحِّ تفسير، وأفضله، وأصلَحه لنا في الدنيا والآخرة، وأكرمنا بتحقُّقه عاجلًا غير آجِل. آمين آمين آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
والله (تعالى) أعلم.
قام بإعادة تدوين هذه على مدونة تفسير الأحلام.
إعجابإعجاب