رؤيا الأموات هي أن يرى النائم في الرؤيا شخصًا ميتًا، كأن يرى – على سبيل المثال – أباه الميِّت أو غيره، أو وربَّما يرى أنَّه يتكلَّم مع هذا الميت، أو أنَّه يعطيه شيئًا، أو ما شابه ذلك.
ويعتقد بعض المسلمين أنَّهم إذا رأوا في المنام شخصًا ميتًا يقول كلامًا، فإنَّ هذا الكلام هو بالضرورة حقٌّ وصدق؛ لأنَّ الميِّت في دار الحقِّ، وبالتالي فهو لا يكذب في الرؤيا. وهذا الاعتقاد قد يكون صحيحًا أحيانًا، وقد يكون خطأ أحيانًا.
فقد يكون هذا الاعتقاد خطأ؛ لأنَّ الشيطان يستطيع أن يتمثَّل في صورة الميِّت في المنام كما هو معلوم، فكيف يكون كلام الميت حقًّا في هذه الحالة؟
وكذلك، لو افترضنا صدق هذه الرؤيا، فنحن نعلم أنَّ غالبيَّة ما يراه النائم في الرؤى إنَّما يكون رموزًا، أي أشياء تأتي في الرؤيا لتدلَّ على أشياء أخرى تختلف عنها، أفلا يكون كلام الموتى من ضمن هذه الرموز؟ فكيف يمكن إذن وصف شيء رمزيٍّ غير مقصود لذاته بأنَّه لا بدَّ وأن يكون حقًّا وصدقًا؟
ومع ذلك، فقد يرى مسلم شخصًا ميتًا في رؤيا يخبره ببعض الأشياء، وتكون حقًّا وصدقًا بالفعل.
أمَّا المعيار في تحديد صدق كلام الميِّت في الرؤيا من كذبه، وهل هو كلام رمزيٌّ أم كلام حقيقيٌّ، فيعتمد في الأساس على معرفة أحوال الرائي، وأحوال الميِّت في حياته، وهل الكلام موافق للحقِّ والشرع، أم أنَّ فيه مخالفة؟ هذا بالإضافة إلى ضرورة تطبيق المعايير المعروفة (المذكورة سابقًا في هذا الكتاب) لترجيح صدق الرؤيا من كذبها.
فعلى سبيل المثال: كلَّما كان كلام الميِّت في الرؤيا أقرب إلى شيء له علاقة بحال الرائي، كان هذا الكلام مقصودًا لذاته، وليس رمزًا.
فلو افترضنا أنَّ رجلًا مسلمًا تزوَّج، فرأى والده المتوفَّى في المنام يقول له: «بارك الله (تعالى) لك في زواجك»، فالأرجح أنَّ هذا الكلام حقيقيٌّ، وليس رمزًا؛ لأنَّه قريب من أحوال الرائي وقت الرؤيا.
ولكن نفترض أنَّ شخصًا مسلمًا صالحًا قد رأى في المنام ميتًا يقول له: «أنت من أهل جهنَّم»، فهذا الكلام مخالف لما عليه حال الرائي من الصلاح، وبالتالي فالأرجح أن يكون هذا الكلام مجرَّد رمز لشيء آخر لا علاقة له بجهنَّم (هذا إن لم تكن الرؤيا كاذبة)، ويستطيع مفسروا الرؤى من أهل العلم استنباط هذا المعنى وفقًا لقواعد معيَّنة بتوفيق من الله (تعالى).
وبالمثل، نفترض أنَّ الميِّت الذي ظهر في الرؤيا هو شخص اشتُهِر بالفساد في حياته، ففي هذه الحالة، ربَّما يدلُّ كلامه في الرؤيا على فساد، وليس بالضرورة على حقٍّ.
وكذلك، نفترض أنَّ كلام الميِّت في الرؤيا جاء مخالفًا للشرع، أو فيه أمر بمنكر، فالأرجح أن يكون هذا الكلام رمزًا له معنى مختلف عن ظاهره (هذا إن لم تكن الرؤيا كاذبة).
ومن الجدير بالذكر أيضًا، أنَّ بعض المسلمين قد يصيبهم الانقباض والضيق من رؤى الأموات اعتقادًا منهم أنَّها قد تدلُّ على معانٍ مؤذية، فربَّما اعتقد بعضهم أنَّها تدلُّ على قرب موت الرائي مثلًا، وهذا اعتقاد خطأ، فرؤى الموتى (شأنها شأن غالبيَّة الرؤى الأخرى) قد تصدق، وقد تكذب، وقد تدلُّ على خير، وقد تدلُّ على شرٍّ. (لنا بحث تفصيليٌّ في هذا الموضوع بعنوان «الموت والأموات في الرؤيا»، فليُرجع إليه للاستزادة)
والله (تعالى) أعلم.
قام بإعادة تدوين هذه على مدونة تفسير الأحلام.
إعجابإعجاب