الصياغة هي الخطوة النهائيـَّة في عمليَّة تفسير الرؤيا. وهي الكلمات التي يوصِّل بها المفسِّر ما فهمه من الرؤيا إلى الرائي.
وينبغي أن يراعي المفسِّر عدة أشياء عند صياغة تفسيره، ومنها:
1. استخدام العبارات المهذَّبة اللَّطيفة التي لا تصدم الناس، ولا تخدش حياءهم. والابتعاد عن الأساليب الهجوميَّة، أو الساخرة، أو المؤذية للآخرين بأيِّ شكل.
2. الابتعاد عن المبالغات بصفة عامَّة سواء في رؤى البشرى بالخير أو الشرِّ.
ومن أمثلة هذه المبالغات استخدام تعبيرات مثل: خير عظيم جدًّا، رزق كبيرا جدًّا، منزلة غير مسبوقة، شهرة كونيَّة، هلاك مروِّع، دمار شامل، هزيمة ساحقة ماحقة، موت محقَّق، نجاح مضمون…إلخ.
ولا ينبغي للمفسِّر أن يلجأ لهذه المبالغات وأمثالها؛ لأنـَّها قد تؤدِّي إمَّا إلى أن يتواكل الرائي على الرؤى، فتضعف عزيمته، ويُقصِّر عن العمل الصالح والأخذ بالأسباب، وإمَّا أن يُصاب باليأس والإحباط من إصلاح حاله، فلا يُرجى منه أيُّ خير. ونحن لا نريد هذا ولا ذاك، بل نريد أن يستبشر الصالح بالرؤيا دون تواكل أو ترك للعمل، وأن يحذر الفاسد من رؤياه، فيتراجع عن شرِّه دون أن يُصاب باليأس أو الإحباط من إمكانيَّة أن يتوب ويعود إلى طريق الخير والصلاح.
3. إذا كان في الرؤيا معنى كبير فعلًا لا يملك المفسِّر إلَّا أن ينقله للرائي كما هو، فمن الأفضل استخدام صيغ الاحتمال كالرجاء، أو التمنِّي، أو الخشية. ومن أمثلة ذلك: الرؤيا التي فيها احتمال بشرى بالجنَّة مثلًا أو بعذاب شديد.
ومن أمثلة صيغ تفسير أمثال هذه الرؤى: أرجو/عساها أن تكون بشرى لك بالجنَّة بإذن الله (تعالى)، أو أخشى أن تكون تحذيرًا لك من عقوبة شديدة من الله (تعالى)…إلخ.
4. إذا كان معنى الرؤيا غير واضح بقوَّة للمفسِّر، أو كان لا يستطيع ترجيح الاحتمال الأقرب إلى الصواب في تفسيرها، فالأفضل استخدام صيغ الاحتمال في تفسيرها.
ومن أمثلة ذلك في تفسير الرؤى: لعلَّها تكون كذا، أو يُحتمل أن تدلَّ على كذا، أو عساها بشرى بخير، أو أخشى أن تكون إنذارًا لك من الله (تعالى)…إلخ. ويمكن كذلك استخدام صيغة الدعاء، مثل: أسأل الله (تعالى) أن تكون بشرى لك بالزواج الصالح، أسأل الله (عزَّ وجلَّ) أن تكون بشرى لك بالإنجاب.
5. لا بدَّ من تعليق حدوث الرؤيا على مشيئة الله (تعالى) بقول المفسِّر: «إن شاء الله تعالى»؛ لما في ذلك من تأدُّب واجب مع الله (عزَّ وجلَّ).
6. من الأفضل استخدام صيغة الدعاء في رؤى الهموم، والشرِّ، والمعاصي للصالحين أو المائلين للصلاح بدلًا من استخدام كلمات مباشرة تصدمهم، أو تسيء إليهم، أو تؤذيهم.
ومن أمثلة ذلك في تفسير الرؤى: أسأل الله (تعالى) أن يهديك للحقِّ، وأن يجنِّبك الباطل، وأن يوفِّقك للخير، وأن يكفيك الشرَّ، أو أسأل الله (تعالى) لك خيرها، وأعيذك به (سبحانه) من شرِّها، أو أسأل الله (تعالى) أن يتوب عليك، وأن يغفر لك…إلخ.
7. من الأفضل استخدام صيغة الدعاء عندما يعاني الرائي من همٍّ شديد أو بلاء، ويفشل المفسِّر في إيجاد تفسير للرؤيا بالفرج من هذا البلاء.
مثال: رجل مسلم صالح متزوِّج، يرغب في الإنجاب بشدَّة بعد سنوات من الحرمان منه، ويسأل عن تفسير رؤيا، ولكن فشل المفسِّر في إيجاد تفسير للرؤيا أنَّها بشرى له بالإنجاب، هنا تكون صيغة الدعاء مفيدة جدًّا، كأن يقول المفسِّر للرائي: أسأل الله (تعالى) أن تكون هذه الرؤيا بشرى لك بالإنجاب، بدلًا من أن يقول له: لا أعرف، أو اسأل عن رؤياك غيري.
8. في حالة التفسير المُباشر للرؤيا، أي تفسيرها كما رآها المسلم في منامه (تناولنا التفسير المباشر للرؤى بالتفصيل في سياق هذا البحث)، فمن الأفضل أن يستخدم المفسِّر صيغ الاحتمال، مثل: لعلَّها بشرى بكذا، أو عساها أن تدلَّ على كذا، أو ربَّما تكون كذا…إلخ.
9. في حالة تفسير رؤيا يُحتمل فيها الزواج بين رجل وامرأة غير متزوِّجين، يجب على المفسِّر استخدام صيغة الاحتمال قبل التفسير، وأن يبيِّن للرائية أو الرائي أنَّ الرؤى قد يخطيء تفسيرها وقد يصيب، وأنَّ الشخص قد يأتي في الرؤيا فيكون رمزًا لغيره من الناس، وذلك حتَّى لا يترتَّب على تفسير الرؤيا اغترارهما بها واجتراءهما على الحرام قبل الزواج.
ومن أمثلة ذلك في تفسير الرؤى: لعلَّها/عساها بشرى بزواجك منه أو من مثيله…إلخ.
والله (تعالى) أعلم.
جمال حسين – باحث ومحاضر ومدرب في علم تفسير الرؤى
قام بإعادة تدوين هذه على مدونة تفسير الأحلام.
إعجابإعجاب