المقصود بالترجيح هو عمليَّة اختيار تعبير معيَّن أو معنى لرمز من رموز رؤيا معيَّنة من بين أكثر من احتمال عام لمعنى هذا الرمز.
فمثلًا: السكِّين في الرؤى بصفة عامَّة قد يحتمل معنى سيِّئًا وهو القتل؛ لأنـَّه أداته؛ وقد يدلُّ على معنى خير، وهو الرزق؛ لأنـَّه أداة ذبح اللحوم؛ وقد يدل للعربيِّ على السَّكينَة، والسَّكن، والسُّكون؛ للجناس بين الكلمات؛ وقد يدلُّ على الحبِّ الشديد والافتتان؛ لقصَّة يوسف (عليه السلام)، عندما قطَّعن النسوة أيديهن افتتانًا به، كما في قول الله : ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ (يوسف:31).
وقد يدلُّ السكِّين على الصرامة، والحزم، والقطع في الأمور؛ لأنـَّه يقطع ويفصل الأشياء كما يقطع الشخص أمورًا أو يفصل فيها؛ وكذلك، فقد يدلُّ السكِّين على الجرح والجراحة؛ لأنـَّه أداة ذلك…إلخ.
ولكن إذا أردنا تعبير رؤيا ما لشخص معيَّن جاء فيها رمز السكِّين، فأيُّ احتمال من هذه المعاني نختار لتعبير معنى السكِّين في هذه الرؤيا؟ أي كيف أو على أيِّ أساس نقوم بترجيح واحدٍ منهم على الآخر، فنأخذ به في تعبير رؤيا ما، ولا نأخذ بغيره؟
تتمُّ عمليَّة الترجيح على العديد من الأسس، ومن ضمنها التالي:
أوَّلًا: ترجيح معنى الرمز على أساس أحوال الرائي:
المقصود بذلك هو أن يراعي معبِّر الرؤيا أن يكون اختياره لمعنى الرمز هو الأقرب والأنسب لطبيعة الرائي الشخصيَّة وظروفه.
وأهمُّ هذه الأحوال والظروف هي الصلاح والفساد؛ أي الالتزام الدينيُّ والأخلاقيُّ عند الرائي. فرؤى الصالحين لا ينبغي للمعبِّر أن يختار لها إلَّا معاني الخير فقط ممَّا يحتمله معنى رمز الرؤيا؛ أمَّا رؤى الفاسدين فيجوز للمعبِّر أن يتعدَّى ذلك إلى اختيار معنى شرٍّ من ضمن احتمالات معاني الرمز في الرؤيا.
فمثلًا: في المثال السابق الخاص برؤيا السكِّين؛ إذا كان من رأى هذه الرؤيا مُسلِمًا صالحًا، فينبغي أن نختار فقط احتمالات الخير والسرور في تعبير الرمز، ونستبعد غيرها من احتمالات الشرِّ، فنستبعد مثلًا احتمال القتل، ونأخذ ببقيَّة الاحتمالات؛ أمَّا إذا كان الرائي فاسدًا أو مجرمًا، فلا ينبغي أن نستبعد احتمال القتل عند تعبير الرؤيا.
ومن ضمن هذه الظروف والأحوال أيضًا ظروف الشخص الاقتصاديَّة، والاجتماعيَّة، والصحيَّة، وتطلُّعاته، ومساعيه؛ لاسيَّما في الوقت الذي رأى فيه الرؤيا. فينبغي على المعبِّر أن يراعي اختيار المعنى الأقرب والأنسب لهذه الأحوال.
فعلى سبيل المثال، نفترض أنَّ امرأة مُسلِمة صالحة، متزوِّجة، ربَّة منزل، زوجها صالح، قد حدث بينها وبين زوجها موقف أدى إلى مشاحنة وضيق. ونفترض أيضًا أنَّ هذه المرأة قد رأت في المنام أنـَّها تقطِّع يدها في المنام بسكِّين. فالأولى هنا عند تعبير رؤياها هذه اختيار ما يتناسب مع صلاحها وصلاح زوجها من المعاني الطيِّبة لرموز الرؤى.
وكذلك ينبغي الأخذ بمعنى الرمز المتناسب مع ظروف المرأة، والتي حدثت وقت هذه الرؤيا. فنقول إنَّ رمز السكِّين هنا يدلُّ على انتهاء التوتُّر بينها وبين زوجها، وعودة مشاعر الحبِّ بينهما؛ لأنَّ السكِّين في الرؤيا قد يدلُّ على الحبِّ؛ لقصَّة النسوة في سورة يوسف (عليه السلام) كما تقدَّم ذكره؛ وهذا هو التعبير الأنسب في هذه الحالة.
مثال 1: نفترض أنَّ مُسلِمًا صالحًا يعمل جزَّارًا يدعو الله بالرزق، رأى في المنام بعد الدعاء سكِّينًا. فالأولى والأنسب أن يتمَّ تعبير الرؤيا بحسب حالة هذا الرائي وقت هذه الرؤيا، فيكون تعبير السكِّين هنا أنـَّه بشرى له من الله بالرزق؛ لأنَّ السكِّين هو أداة ذبح اللُّحوم.
مثال 2: نفترض أنَّ شخصًا مجرمًا فاسد الأخلاق رأى في منامه سكِّينًا، فهذا يُخشى أن تدلَّ له هذه الرؤيا على قتل شخص (نعوذ بالله مما يغضبه).
مثال 3: نفترض أنَّ مُسلِمًا صالحًا، مريضًا نفسيًّا، ويعاني من القلق، والأرق، والضيق رأى في المنام سكِّينًا؛ فالأولى هنا أن يتمَّ تعبير الرؤيا على احتمال أنـَّها بشرى له من الله بسكينة نفس؛ أي بزوال هذه المشاكل النفسيَّة التي يعاني منها؛ لأنَّ هذا يتناسب مع حالته وقت الرؤيا.
مثال 4: نفترض أنَّ مُسلِمًا صالحًا، لكنَّه طيِّب القلب بشكل زائد عن الحدِّ لدرجة أنـَّه لا يستطيع أن يأخذ قرارًا حازمًا مع زوجته وأولاده، فأدَّى ذلك لتسيُّب كبير في داخل الأسرة، نفترض أنـَّه رأى في المنام سكِّينًا. فالأولى والأنسب لحاله أن تُعبَّر له هذه الرؤيا على أنـَّها حثٌّ له على أن يكون حازمًا وصارمًا في بيته مع زوجته وأولاده، وأن يتوقَّف عن حالة السلبيَّة واللامبالاة؛ لأنَّ السكِّين قد يدلُّ في الرؤيا على القطع في الأمور.
مثال 5: نفترض أنَّ مُسلِمًا صالحًا يعمل جزَّارًا، ولكنه لظروف معيَّنة أصبح عاطلًا عن العمل، رأى في المنام سكِّينًا. فالأولى والأنسب لحال هذا الشخص أن تدلَّ هذه الرؤيا له على بشرى من الله بعودته للعمل، وانتهاء حالة البطالة التي يعاني منها؛ لأنَّ السكِّين هو أداة عمل هذا الشخص.
مثال 6: نفترض أنَّ تلميذًا على وشك دخول الامتحانات النهائيَّة، وله إخوة صغار يصرخون ويلعبون في البيت، فلا يستطيع التركيز في مذاكرته بسبب هذه الضوضاء. ونفترض أنَّ أمه قد رأته في منامها وبجواره سكِّينًا، فالأولى والأنسب لهذه الحالة أن يكون تعبير الرؤيا هذه هو حثٌّ للأم على توفير جو الهدوء في البيت لهذا التلميذ حتَّى يستطيع أن يذاكر؛ لأنَّ السكِّين قد تدلُّ على السكون، أي الهدوء.
مثال 7: نفترض أنَّ مُسلِمًا صالحًا تهدَّم بيته، وتشرَّد هو وأسرته، وأنـَّه يعاني معاناة شديدة من أجل الحصول على مسكن آخر، نفترض أنـَّه رأى في المنام سكِّينًا. فالأولى والأنسب لحال هذا الشخص أن تدلَّ له الرؤيا على بشرى من الله بالحصول على سكن؛ لأنَّ السكِّين قد يدلُّ في المنام على السكن.
مثال 8: نفترض أنَّ مُسلِمًا صالحًا مالك عقار، لديه شُقَقًا يعرضها للإيجار، رأى في منامه أنَّ في شقَّة من هذه الشُقَقِ سكِّينًا. فالأولى والأنسب لحال هذا الشخص أن تكون هذه بشرى من الله له بأنَّ هذه الشقَّة سوف يأتيها من يسكنها؛ لأنَّ السكِّين في الرؤيا قد يدلُّ على السكن والسُّكَّان.
مثال 9: نفترض أنَّ طالبًا في كليَّة الطبِّ يريد أن يتخصَّص في فرع معيَّن من فروع الطبِّ، صلَّى صلاة الاستخارة، ثم نام؛ نفترض أنـَّه رأى في المنام سكِّينًا. فالأولى والأنسب لحاله أن يكون في هذه الرؤيا توجيه له ليختار فرع الجراحة ليتخصَّص فيه؛ لأنَّ السكِّين في المنام قد يدلُّ على الجراحة.
مثال 10: نفترض أنَّ موظَّفًا في شركة رأى في المنام مديره يضع في فمه سكِّينًا، مع العلم أنَّ هذا المدير شخص سليط اللِّسان عديم الأدب. فيُحتمل أن تدلَّ له هذه الرؤيا على كلام جارح يسمعه من هذا المدير؛ لأنَّ الفمَّ يدلُّ على الكلام، والسكِّين تدل على الجرح.
وهكذا نرى كيف تؤثِّر أحوال الناس وأقدارهم في تغيير المعنى الأنسب والأولى في الأخذ به في تعبير رمز الرؤيا؛ وذلك رغم أنَّ كل هؤلاء الناس المذكورين في الأمثلة السابقة قد رأوا في منامهم الرمز نفسه.
ثانيًا: ترجيح معنى الرمز على أساس سياق الرؤيا:
المقصود بذلك هو ترجيح معنى معيَّن لرمز في رؤيا معيَّنة بناء على معاني الرموز الأخرى في الرؤيا نفسها؛ تمامًا كما لا نستطيع فهم معنى كلمةٍ أو عبارة ما فهمًا جيِّدًا إلَّا بمعرفة السياق، أو المناسبة، أو الكلام الذي وردت فيه.
مثال 1: نفترض أنَّ شخصًا رأى في المنام أنـَّه قد قتل شخصًا مجهولًا، ثم قال: لا إله إلا الله والله أكبر؛ ونفترض أنَّ شخصاً آخر قد رأى في المنام أنـَّه قتل شخصًا مجهولًا، ثم بكى بكاء شديدًا من الندم على ذلك. فالأرجح في الرؤيا الأولى أنَّ معنى هذا القتل يدلُّ على خير؛ لأنَّ الرائي هلَّل بعده وكبَّر، بينما الأرجح في الرؤيا الثانية أنـَّه يدلُّ على شرٍّ؛ لأنَّ الرائي بكى بعده في الرؤيا ندمًا. وهكذا، قام المعبِّر بترجيح معنى معيَّن لرمزٍ ما في الرؤيا بناء على رموز أخرى في الرؤيا نفسها.
مثال 2: نفترض أنَّ شخصًا رأى نفسه في المنام يقرأ القرآن في الظلام، وأنَّ شخصًا آخر رأى نفسه يقرأ القرآن في النور. فالظاهر أنَّ قراءة القرآن في الرؤيا الأولى ربَّما تدلُّ على سوء فهم وسوء اتِّباع للدين، بينما قد تدلُّ في الرؤيا الثانية على فهم واتِّباع صحيحين للدين؛ فقراءة القرآن في الموضعين واحدة، ولكن اختلف التعبير بناء على الظلام والنور؛ فكان هذا سوء فهم وسوء اتِّباع، وكان ذاك حُسن فهم وحُسن اتِّباع؛ فهذا التعبير المختلف للرمز نفسه قد تمَّ على أساس رمز آخر غيره في الرؤيـيين.
مثال 3: نفترض أنَّ شخصًا رأى في المنام زجاجة خمر مكتوبًا عليها «الحمد لله رب العالمين»، بينما شخص آخر رأى زجاجة خمر مرسومًا عليها امرأة عارية. ففي الرؤيا الأولى قد تدلُّ هذه الخمر على خمر الجنَّة التي وعد الله بها عباده الصالحين، بينما قد تدلُّ في الثانية على خمر الدنيا المحرَّمة. فهنا الرمز في الرؤيـيين واحد، ولكن اختلف التعبير بناء على اختلاف رمز آخر في كلتا الرؤيـيين (أي المكتوب أو المرسوم على الزجاجة).
ثالثًا: ترجيح معنى الرمز على أساس أحوال رمز الرؤيا:
المقصود بأحوال الرمز هو الهيئة التي جاء عليها في الرؤيا، فالأشخاص أو الأشياء لهم أشكال وأحوال مختلفة سواء كانت حسنة أم سيِّئة.
مثال 1: نفترض أنَّ شخصًا رأى نفسه في المنام أنـَّه يأكل ثمرة حلوة، بينما شخص آخر رأى نفسه يأكل ثمرة مُرَّة. فحالة الرمز هنا (الحلاوة أو المرارة) لها تأثير في تعبيره؛ فالثمرة الحلوة معناها جيِّد، بينما الثمرة المُرَّة معناها سيِّء.
مثال 2: نفترض أنَّ امرأة رأت في المنام أنـَّها ترتدي ثوبًا جديدًا جميلًا، بينما رأت في رؤيا أخرى أنـَّها ترتدي ثوبًا قديمًا باليًا. فحالة الرمز هنا (الجمال أو القُبح) لها تأثير في تعبيره؛ فالثوب الجميل يدلُّ على معنى جميل، بينما الثوب القبيح يدلُّ على معنى قبيح.
مثال 3: نفترض أنَّ شخصًا رأى نفسه في المنام يقود سيَّارة جديدة، بينما رأى آخر أنـَّه يقود سيَّارة متهالكة. فحالة الرمز في الرؤيا الأولى قد تدلُّ على معنى جيِّد، بينما حالته في الرؤيا الثانية قد تدلُّ على معنى سيِّء.
رابعًا: ترجيح معنى الرمز على أساس المشكلة أو النشاط الأقرب إلى وقت نوم الرائي:
يتمُّ هنا ترجيح معنى الرمز في الرؤيا على أساس آخر ما حدث للرائي قبل نومه، وليس بالضرورة أن يكون ذلك قبل نومه مباشرة، بل المقصود هو أقرب شيء للرؤيا؛ وقد يكون شيئًا حدث للرائي في يوم الرؤيا نفسه على سبيل المثال.
ومن أمثلة ذلك، نفترض أنَّ مُسلِمًا يُعاني من الفقر وعدم وجود عمل، وكذلك يُعاني من العزوبة، رأى في منامه امرأة. فهذه المرأة قد تدلُّ في الرؤيا على مال ونعمة، وقد تدلُّ أيضًا على زوجة، فأيٌّ منهما نختار، وكلاهما مرتبط بأحوال الرائي ومشاكله بنفس درجة القوَّة؟ والجواب: نحاول معرفة ما كان يشغل بال الرائي أو ما سبِّب له معاناة أكبر من هاتين المشكلتين في وقت قريب من الرؤيا. فنفترض مثلًا أن الرائي قد رأى في التلفاز ليلة الرؤيا برنامجًا عن الزواج، فتألَّم بشدَّة من عدم قدرته على الزواج، فنام، فرأى هذه المرأة في منامه، فهنا قد نُرجِّح أنَّ هذه المرأة في الرؤيا تدلَّ على زوجة. ولكن نفترض أيضًا أنَّ هذا الشخص قد جاءته في يوم الرؤيا نفسه بعض المُطالَبَات (الفواتير) الباهظة الواجبة السداد، فظلَّ مهمومًا بسببها طوال اليوم حتَّى نام، فرأى هذه المرأة في منامه، فهنا قد نُرجِّح أنَّ هذه المرأة تدلُّ دنيا ومال.
خامسًا: ترجيح معنى الرمز الأقرب إلى ما يَسُرُّ الرائي:
يتمُّ هنا ترجيح معنى الرمز بما يسرُّ المسلم الصالح. ومن أمثلة ذلك: نفترض أنَّ مسلمًا مريضًا كبيرًا في السن رأى في المنام أنـَّه قد عاد شابـًّا صحيحًا مرة أخرى. فهذه الرؤيا قد تدلُّ على الموت؛ لأنَّ المريض إذا مات تخلَّص من مرضه ومن شيخوخته، وهي كذلك قد تدلُّ على الشفاء وعودة الصحَّة. فهنا، من الأفضل تعبير الرؤيا على أنـَّها شفاء لهذا الرائي. وترجيح معنى الرمز الذي يَسُرُّ المسلم ولا يروِّعه أو يُحزنه.
سادسًا: ترجيح معنى الرمز بما يجعل الرائي يُحسن الظنَّ بالله:
ومن أمثلة ذلك: ما قد يراه مسلم متوسِّط الالتزام الدينيِّ بأنـَّه قد دخل جهنَّم. ففي تعبير هذه الرؤيا احتمالان، وهما: أن يكون دخوله جهنَّم هو رمز لمروره من على الصراط المنصوب عليها فقط، والذي سيحدث حتمًا لكلِّ الخلائق؛ لقول الله: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا﴾ (مريم:71)؛ وقد تكون الرؤيا رمزًا لدخوله جهنم والعذاب فيها (والعياذ بالله). فهنا من الأفضل تعبير رؤيا المسلم، ولو كان عنده بعض التقصير والمعاصي بما يجعله يُحسن الظنَّ بالله. وبالتالي، فالتعبير الأوَّل هنا أنسب من التعبير الثاني.
سابعًا: ترجيح معنى الرمز بما هو أفضل للرائي في دينه ودنياه:
ويرجع ذلك إلى تقدير المعبِّر في اختيار الرمز الذي يرى أنـَّه أفضل للرائي دينًا ودنيا من غيره. ومن أمثلة ذلك: نفترض أنَّ مُسلِمًا صالحًا تزوَّج من امرأة، وعانى منها معاناة شديدة، ثم طلَّقها دون أن ينجب منها، فرأى في منامه رؤيا يُحتمل في تعبيرها إمَّا أن تكون بشرى بهدايتها وعودتها إليه، أو بأن يبدله الله بامرأة أخرى صالحة تسعده.
فهنا نقول إنـَّه ربَّما يكون من الأصلح والأفضل للرائي دينًا ودنيا تعبيرها على أنَّ الله يبدله بامرأة أخرى؛ لأنـَّه حتَّى وإن عادت المرأة القديمة إليه، فلا يأمن أن تعود إلى ما فعلته به مرة أخرى، وحتَّى وإن لم تعد لما فعلته سابقًا، فربَّما قلَّلت ذكرى المشاكل القديمة من سعادة الرجل بها؛ فكان التعبير بأنَّ الله يبدله بأخرى غيرها أفضل له في هذه الحالة.
ولكن أحيانًا قد يكون بين الرجل وطليقته أطفال، وقد يعانون بسبب انفصال الوالدين. فلعلَّ التعبير الأفضل للرائي هنا يكون هداية الزوجة الأولى، وعودتها للزوج.
ثامنًا: ترجيح معنى الرمز بما هو أقرب إلى رحمة الله:
ويتمُّ هذا الترجيح بحسب تقدير المعبِّر أو ما يعتقد لما قد يكون أقرب إلى رحمة الله بالمسلم.
ومن أمثلة ذلك: نفترض أنَّ طفلًا رضيعًا يتيم الأبِّ فُقِدت أمُّه، فلم يعثر لها أحد على أثر؛ فرأى واحد من أقاربه أنَّ أمَّ الطفل قد عادت وأخذت طفلها. فهذه الرؤيا قد تحتمل في تعبيرها معنيين، وهما: إمَّا أنَّ الأمَّ سوف تعود فعلًا للطفل، أو أنَّ الله سيبدل الطفل بامرأة أخرى تربِّيه، فتكون له أُمًّا. فلعلَّه يكون من الأولى أن يختار المعبّر الرمز الذي يعتقد أنـَّه الأقرب إلى رحمة الله بالطفل، فيُعبِّر هذه الرؤيا على أنـَّها بشرى بعودة أمِّ الطفل نفسها إليه.
تاسعًا: ترجيح معنى الرمز بما هو أقرب إلى عدل الله:
ويتمُّ هذا بحسب تقدير المعبِّر وتصوُّره لما قد يكون أقرب إلى عدل الله.
ومن أمثلة ذلك: أن يرى أبٌّ فاسد غير مؤتمن في منامه أنَّ ابنه الصغير الذي تحتضنه الأمُّ المطلَّقة قد عاد إليه. فهذه الرؤيا قد تكون من أحاديث النفس نظرًا لرغبة الأبِّ الشديدة في عودة الطفل إليه، وقد تكون بشرى بعودة الطفل إليه فعلًا. فالأولى بالمعبِّر هنا تعبير هذه الرؤيا على أنـَّها من أحاديث النفس؛ لأنَّ مثل هذا الأبِّ لا يستحقُّ أن يعود إليه طفله.
عاشرًا: الرؤى يُفسِّر بعضها بعضًا:
هذه القاعدة هي من أهمِّ قواعد الترجيح في تعبير الرؤيا. فأحيانًا يقوم معبِّر الرؤيا بترجيح معنى أو تعبير لرمز معيَّن في الرؤيا من بين عدد من الاحتمالات القائمة من خلال الاسترشاد بتعبيرات رؤى سابقة للرائي نفسه. فإذا وجد المعبِّر أنَّ واحدًا من احتمالات تعبير رمز معيَّن في رؤيا يعبِّرها لراءٍ معيَّن قد تكرَّر في رؤى سابقة للرائي نفسه، فقد يقوم المعبِّر بترجيح معنى الرمز الحاليِّ على أساس هذا الاحتمال المتكرِّر في تعبير الرؤى السابقة.
ومن أمثلة ذلك: نفترض أنَّ مُسلِمًا قد رأى في المنام أنـَّه يتزوَّج. فتعبير هذه الرؤيا فيه احتمالات، فيمكن أن يدلَّ هذا الزواج في الرؤيا على زواج فعلًا، ويمكن أن يدلَّ على رزق ونعمة.
ولكن كيف يستطيع المعبِّر ترجيح واحد من الاحتمالين ليكون هو التعبير الأقرب إلى الصواب؟ والجواب: يمكنه أن ينظر في رؤى سابقة رآها الشخص نفسه. فنجده مثلًا قد رأى قبلها بيومين أنـَّه يلبس في يده خاتمًا، فهذا الخاتم يُحتمل أن يدلُّ على زوجة، ويُحتمل أن يدلَّ على زينة، ثم نجد الشخص نفسه قد رأى رؤيا ثالثة أنـَّه عريس في قاعة احتفالات؛ فهذه الرؤيا يُحتمل أن تدلَّ على زواج، ويُحتمل أن تدلَّ على شهرة.
وبالجمع بين الرؤى الثلاث نجد احتمال الزواج يتكرَّر في تعبير كلِّ رؤيا، فهو احتمال مشترك بينها كلِّها. وبالتالي، فهذا الاحتمال يترجَّح ويتقوَّى معناه في تعبير الرؤى الثلاث عن غيره بسبب هذا التكرار، فلعلَّه يكون الاحتمال الأقرب إلى الصواب في تعبير الرؤيا.
والله أعلم.
انقر هنا للاشتراك فورا في خدمة تعبير الرؤيا على الأصول الشرعية الإسلامية