1. من هم غير المسلمين أو الكافرون؟
نقصد بغير المسلمين هنا:
1. اليهود والنصارى، ولو لم تبلغهم دعوة الإسلام قطّ.
2. كلُّ شخص يعتنق ديانة، أو مذهبًا، أو مُعتَقَدًا مخالفًا للدين الإسلاميِّ سواءً بالوراثة أو بالاختيار، ولو كان جاهلًا بالإسلام جهلًا تامًّا.
3. كلُّ من كان مسلمًـا وارتدَّ عن دين الإسلام سواءً كان هذا الارتداد صريحًا مُشهرًا، أوكان ضمنيًّا غير مُشهَر بإصرار المسلم، البالغ، العاقل، الحُرِّ على ارتكاب قول أو عمل ناقض صحيح للإسلام مع علمه الكامل بأنَّ ما يفعله يخرجه عن دين الإسلام، ورضاه التامِّ بذلك، ولو أشهر بين الناس انتسابه للإسلام.
4. الملحد، وهو من لا يعبد إلهـًا، أو من لا يعتنق أيَّ دين مطلقًا.
لا يدخل في وصف غير المسلمين هنا:
1. كلُّ مسلم يكتم إسلامه خوفًا أو قهرًا، ولو جاهر بالكفر والعداء للإسلام اضطرارًا.
2. كلُّ مسلم ارتكب ناقضًا من نواقض الإسلام مع جهله أنَّ هذا القول أو العمل يخرجه من الإسلام، أو كان طفلًا، أو مجنونًا، أو مقهورًا، أو مضطرًّا.
2. هل يجوز أن يرى غير المسلمين رؤى صادقة؟
نعم يجوز ذلك. وقد جاء في في القرآن الكريم – في سورة يوسف (عليه السلام) – ما يدلُّ على أنَّ غير المسلمين قد يروا رؤى صادقة تُعبِّر عن أحداث الواقع أو تتحقَّق في المستقبل.
والله (تعالى) أعلم.
3. ما هي أهمِّيَّة تفسير رؤى غير المسلمين؟
1. الدعوة إلى الله (تعالى) وإلى الإسلام.
2. تعريف الناس بفضل الإسلام، وعظمته، ومعجزاته، وصدق دعوته، وقوَّة حُجَّته، وأنَّه دين الحقِّ المبين.
3. تاليف قلوب غير المسلمين وإشعارهم بفضل المسلمين وكرمهم.
والله (تعالى) أعلم.
4. هل تنطبق القواعد المعروفة لتفسير رؤى المسلمين على رؤى غيرهم؟
نعم تنطبق جميعها، ما عدا قاعدة التفسير باللُّغة العربيَّة أو الجناس، إلَّا إذا كانوا من الناطقين بها.
والله (تعالى) أعلم.
5. ما هي الاتِّجاهات العامَّة التي يجب أن يسير فيها تفسير رؤى غير المسلمين؟
1. التركيز على وحدانيَّة الله (تعالى) وتعريفهم بها؛ لأنَّ أكثرهم لا يعرفون من هو الله (عزَّ وجلَّ) أو يشركون به (سبحانه).
2. التركيز على بيان المعاصي والمفاسد التي تغضب الله (تعالى) وأضرارها على الإنسان والحياة.
3. الحكمة والموعظة الحسنة.
4. إظهار سماحة المسلمين، وكرم أخلاقهم، وعظمة دينهم، وفضلهم على الناس بأسلوب لطيف دون مبالغة أو مداهنة.
5. إرشادهم إلى مصادر يمكن أن يتعلَّموا منها الإسلام كترجمة القرآن الكريم أو المواقع المحترمة التي تعرِّفهم بالإسلام الصحيح.
6. عدم الإساءة إليهم أو الصدام معهم إلَّا عند الضرورة أو ظهور عدائهم وعنصريَّتهم تجاه الإسلام، ومع ذلك فلا تكن أنت الباديء معهم، ولا تسيء إليهم إلَّا بقدر إساءتهم فقط، وكن أنت أكرم أخلاقًا في جميع الأحوال.
والله (تعالى) أعلم.
6. هل يرى غير المسلمين بشارات بالخير في رؤاهم؟
نعم، يمكنهم أن يروا بشارات في رؤاهم تتعلَّق ببعض المصالح الدنيويَّة كبشرى بوظيفة، أو مال، أو نصرة للمظلوم، أو كالبشرى بالخروج من السجن والعودة إلى الوظيفة في رؤيا الفتى المشرك صاحب يوسف (عليه السلام) في السجن، وقد ذُكرت هذه الرؤيا في قول الله (تعالى) في سورة يوسف: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ (يوسف:36)، ففسَّرها له يوسف (عليه السلام): ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا…﴾ (يوسف:41).
ومع ذلك، وعلى الرغم من جواز أن يرى الكفَّار رؤى صادقة مُبشِّرة، فلا يجب أن تُعدَّ هذه البشارات دليلًا على حبِّ الله (تعالى) لهم، بل قد تكون لها حكمة إلهيَّة أخرى، كأن تقع الرؤيا في يد مفسِّر مسلم، فيعرفون فضل الإسلام وعظمته، فيُسلِمون، أو كتبشير المظلوم بالنصر على ظالمه، وهذه أمور تتعلَّق بالعدالة الإلهيَّة، ولا تتعلَّق بالإيمان أو الكفر.
والله (تعالى) أعلم.
7. هل يتمُّ قلب تفسير رؤى غير المسلمين على معاني الخير ولو كان ظاهرها شرًّا؟
لا، مطلقًا، لا يتمُّ تطبيق هذه القاعدة معهم أبدًا، ولا علاقة لها بهم، هذه تخصُّ المسلمين الصالحين فقط.
والله (تعالى) أعلم.
8. هل من المهمِّ سؤال غير المسلمين عن أحوالهم قبل تفسير رؤاهم؟ وكيف يكون ذلك؟
نعم، من المهمِّ أن يسأل المفسِّر المسلم الكافرين من طالبي تفسير الرؤى عن أحوالهم، كما يفعل مع المسلمين، وخصوصًا الأمور التالية:
1. الدين ومستوى التديُّن: لا بدَّ للمفسِّر أن يتأكَّد من كفر من يفسِّر له بالفعل، وأن يسأله عن دينه ومستوى التزامه به، فهذا مهمٌّ جدًّا، فليس كلُّ الكافرين سواءً في نوع الكفر، ولا في درجته.
2. القوميـَّة أو بلد الإقامة: من المهمِّ للمفسِّر أن يعرف بلد إقامة الرائي أو جنسيَّته، وذلك لمزيد من التأكُّد من دين الرائي، فبعض البلاد يغلب عليها الكفر، وبعضها يغلب عليه الإيمان، وبعضها يعادي المسلمين، وبعضها يسالمهم، هذا بالإضافة إلى أهمِّيـَّة معرفة المفسِّر لبلد الرائي كجزء من ظروفه وأحواله بصفة عامَّة، يستعين به المفسِّر في تفسير الرؤيا.
3. الحالة الاجتماعيَّة والجنسـيَّة (للبالغين فقط): وهذا ينبغي للمفسِّر أن يتحقَّق منه جيِّدًا في من يفسِّر له من الكفَّار، لاسيَّما في المجتمعات الغربيـَّة، الإباحيـَّة، الُمنحلَّة معدومة الشرف والأخلاق. ومن أمثاله: متزوِّج (متزوِّجة) – له أو لها صديقة أو صديق (عشيقة أو عشيق) – شاذٌّ أو شاذَّة…إلخ، وذلك لانتشار الأمراض الاجتماعيَّة، والفواحش، والانحرافات فيهم، وشيوع الفوضى الأخلاقيـَّة المُدمِّرة بين كثيرين منهم (والعياذ بالله تعالى)، وما ذكرناه هنا من أمثلة لهذه القاذورات العَفِنَة هو قليل من كثير (نسأل الله عزَّ وجلَّ العفو والعافية للمسلمين).
4. النشاطات، والمشكلات، والأمنيات، والطموحات: وهذا مهمٌّ جدًّا للتعرُّف على الاتِّجاهات العامَّة لحياة الشخص وتفكيره، وتميـيزها خيرًا أو شرًّا، صلاحًا أو فسادًا، فبعض الكافرين قد يقوم ببعض أعمال الخير أو الصلاح التي يقرُّها الإسلام كنصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، وعلاج المرضى…إلخ، وعلى النقيض، فربَّما يعتنق هؤلاء من الأفكار والنشاطات الشاذَّة والفاسدة ما قد لا يخطر على بال المفسِّر.
والله (تعالى) أعلم.
9. هل يجب أن تتوافر في مفسِّر رؤى الكافرين شروط معيَّنة؟
نعم، فبالإضافة إلى الشروط العامَّة لمفـسِّر الرؤى، والمذكورة سابقًا في هذا البحث، فمن الأفضل للمفسِّر في حالة تفسير رؤى الكُفَّار:
1. أن يكون عارفًا بلغتهم معرفة جيِّدة، أو على الأقلِّ وجود لغة مشتركة للتفاهم يجيدها المفسِّر والسائل كالإنجليزيـَّة مثلًا.
2. أن يكون على دراية معقولة بمعتقادتهم الفاسدة، وبعض التفاصيل المهمَّة في حياتهم وثقافاتهم، أو يسألهم عنها إن لم يكن يعرف.
والله (تعالى) أعلم.
10. كيف يقوم المفسِّر بتعريف نفسه وعلمه للكافر الذي يطلب تفسير رؤيا؟
من المهمِّ جدًّا أن يقوم المفسِّر المسلم بتقديم نفسه والتعريف بمنهجه الإسلاميِّ في تفسير الرؤى للشخص الكافر قبل أن يُفسِّر له الرؤيا، وذلك حتَّى لا تحدث صدامات وإشكالات من الأولى بالمفسِّر المسلم أن ينأى بدينه وبنفسه عنها.
والله (تعالى) أعلم.
11. ما هي الأشياء التي يجب أن يراعيها المفسِّر عند تفسير رؤى الكافرين؟
يجب أن يحرص المفسِّر على أن تتوافر شروط معينة في تفسيره من أجل تحقيق الأهداف البعيدة لتفسير الرؤى وعلى رأسها الدعوة إلى الله (تعالى)، فإنَّ مفسِّر الرؤى داعية إلى الله (عزَّ وجلَّ)، وبالتالي ينبغي عليه أن يستخدم علمه هذا في هداية البشر وتعريفهم بالله (سبحانه). وعلى المفسِّر أن يعلم أنَّ تفسير الرؤى ليس مجالًا للتسلية أو العبث على الإطلاق، بل هو أداة مهمَّة للإصلاح في الأرض، ومناصرة الخير وأهله، ومحاربة الشرِّ وأهله.
أوَّلًا: ما قبل تفسير الرؤيا:
1. الأدب والرحمة في المعاملة:
أوَّل ما يجب أن يحرص المفسِّر عليه بصفة عامَّة هو أن يتعامل مع هؤلاء بأدب واحترام وتلطُّف محتشم يعبِّر عن الشخصيَّة الراقية، والطيِّبة، والمتحضِّرة للمسلم، يقول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (النحل:125). وفي الوقت نفسه لا يجب أن يصل هذا الأدب أو الاحترام إلى مرحلة الذلِّ أو قبول الإهانة، فهنا يكون الأولى بالمسلم أن يردَّ الإساءة ولا يهادن مطلقًا، فإنَّ عزَّة المسلم هي من عزَّة الله (تعالى) ورسوله (صلى الله عليه وسلَّم)، يقول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (العنكبوت:46). ففي حالة وقوع ظلم أو اعتداء يكون المسلم في حلٍّ من التزام الأدب والأخلاق الكريمة.
فمثلًا: يمكن للمفسِّر أن يبدأ تفسيره بعبارات مثل:
– أشكرك على سؤالك لي. أتمنَّى أن أتمكَّن من مساعدتك.
– يؤسفني ما تعانيه بسبب هذه الرؤيا المؤلمة. يسرُّني أن أخفِّف معاناتك.
وأذكر هنا امرأة غير مسلمة من بلاد الغرب جمعتني بينها محادثة قصيرة ظهرت فيها استهانتها بي وببلادي، فقالت لي:
– أنت من البلاد التي تركب الجِمال. هل تحبُّ الجِمال؟
فأجبتها: نعم أحبُّك.
فبُهتت، وكادت أن تموت غيظًا، فشفى الله (تعالى) صدرنا فيها. ولله (تعالى) الحمد والمنَّة.
وهكذا يجعل المفسِّر شعاره مع هؤلاء منذ البداية المبادرة بالاحترام والأدب، فإن كان السائل مؤدَّبًا محترمًا، فبها ونِعمَت، فإن لم يكن، فبقول الله (تعالى): ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ…﴾ (الفتح:29).
2. تعريف مختصر بالله (عزَّ وجلَّ):
لا شكَّ أنَّ مجال تفسير الرؤى لا يتَّسع ولا يحتمل في أغلب الأحيان دعوة غير المسلم إلى الإسلام وتعريفه به وبمحاسنه بشكل مباشر. ولكن يمكن للمسلم أن يبدأ التفسير بكلمات قليلة ومهمَّة يمكن أن تؤدِّي أغراضًا كثيرة في هذا المجال القصير لتفسير الرؤى.
أهمُّ هذه البدايات هي كلمات قليلة يُعرِّف بها المسلم غير المسلم بالله (عزَّ وجلَّ) وببعض أسمائه وصفاته (سبحانه). ولهذا أهداف مهمَّة مثل التمييز بين معنى الألوهيَّة عند المسلم ومعنى الألوهيَّة عند المشرك. وهذا في منتهى الأهمِّيَّة حتَّى يعرف النصرانيُّ، والبوذيُّ، والملحد، واليهوديُّ من هو الإله الذي تتحدَّث عنه، وأنه مختلف عن آلهتم ومعبوداتهم.
أمَّا التعريف ببعض أسماء الله (تعالى) وصفاته (عزَّ وجلَّ)، فهذا مهمٌّ جدًّا لإعطاء فكرة عامَّة عن دين الإسلام من خلال هذه الأسماء والصفات. فمثلًا: الرحيم يدلُّ على دين الرحمة، والعدل يدلُّ على دين العدل…وهكذا. وكذلك فهذه الأسماء والصفات مهمَّة في إظهار احتياج هؤلاء البشر لله (تعالى)، وبالتالي للإسلام. فمثلًا: الصمد، أو الذي يحتاج إليه الناس ويلجأون له (سبحانه)، والرزَّاق، الذي يتكفَّل برزقهم (جلَّ وعلا)…وهكذا.
أيضًا فهذه الأسماء والصفات الشريفة هي فرصة لتعريفهم بأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) هو خالقهم، وهو الذي يحييهم، ويميتهم. وهذا مدخل جيِّد لتعريفهم بالآخرة.
وهكذا يمكن أن نبدأ التفسير – على سبيل المثال – بجملة:
– الحمد للإله، الله، الواحد الأحد، الذي ليس كمثله شيء، الخالق، المحيي، المميت، الرزَّاق، الصمد، العدل، الرحيم.
3. التعريف بمنهج الإسلام في التعامل مع الرؤى:
بعد ذلك يجب على المفسِّر أن يبيِّن للسائل معنى الرؤى في الإسلام، ومنهج تفسيرها، وأنـَّها تختلف كليًّا أو جزئيًّا عن منهج غير المسلمين في تفسير الرؤى. أوَّلًا: أنـَّها تكون من الله (عزَّ وجلَّ)، وثانيًا: أنـَّها تكون عادة رموزًا ذات معنى مستتر، وثالثًا: أنـَّها رسالة ذات معانٍ من الله (تعالى) للإنسان، ورابعًا: أنَّها قد تدلُّ على أمور الغيب.
فمثلًا يمكن أن يقول المفسِّر للسائل:
– بحسب ما أعلم أنَّ هذه الرؤيا من الله (عزَّ وجلَّ). وهي تحمل رسالة ذات معانٍ مهمَّة لك. وهي رؤيا ذات رموز تحتاج لتفسير. والتفسير هنا هو أنَّ كذا قد يحدث في المستقبل…والله تعالى أعلم.
ثانيًا: تفسير الرؤيا نفسها:
من أهمِّ ما يجب أن يلتزم به المفسِّر عند تفسيره لرؤى غير المسلمين هو أن يكون التفسير دافعًا لهم إلى طريق الإسلام، منفِّرًا لهم من طريق الكفر، معينًا لهم على الخروج من ظلمات الضلال إلى نور الهداية. فينبغي على المفسِّر دائمًا أن يبحث في رؤى لهؤلاء عن الاحتمالات التي تؤدِّي هذا الغرض، فإن لم يكن كذلك، فلا أقلَّ من أن يكون التفسير دافعًا لهم إلى طريق الفضيلة، والخير، والإحسان من المأمور به أو المستحبِّ شرعًا وعقلًا. وبالمثل أن يكون التفسير مُنفِّرًا لهم من طريق الرذيلة، والشرِّ، والأذى من المنهيِّ عنه أو المكروه شرعًا وعقلًا. وأبواب الفضائل كثيرة وأبواب الرذائل كثيرة أيضًا. ولكن من المهمِّ هنا التنبيه على أن تكون منطلقات المفسِّر المسلم في تحديد معنى الفضيلة أو الرذيلة هي منطلقات إسلاميَّة في الأساس. فلا يوجد أيُّ مجال هنا لمهادنة أو استرضاء على حساب الدين مطلقًا، ولكن يستخدم المفسِّر أفضل المداخل وألينها وأظرفها وأقربها إلى نفس السائل حتَّى يخفِّف من وطأة اصطدامه بما لا يعرفه وما لا يألفه.
– ولنأخذ بعض الأمثلة التطبيقيَّة:
مثال 1: أرسلت لي امرأة أمريكيَّة لا دين لها رؤيا رأت فيها أنَّ الحيوانات الأليفة التي تقوم بتربيتها في منـزلها في حالة من سوء السلوك معها. انتهت الرؤيا. وتتعجَّب المرأة من أنَّ هذه أوَّل مرَّة ترى فيها حيواناتها تتصرَّف بهذا الشكل الغريب.
فأرسلتُ لها التفسير كالتالي (بعد كتابة مقدِّمات ما قبل التفسير الموضَّحة سابقًا):
– يقول الله (تعالى) في كتابه (القرآن الكريم): ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ (الإسراء:44). وبالتالي فإنَّ هذه الحيوانات التي تقومين بتربيتها تعبد الله (عزَّ وجلَّ) وتسبِّح بحمده. ورؤياك لها في هذه الحالة السيِّئة معك تدلُّ على أنـَّها في الواقع غير راضية عن إلحادك وبعدك عن الله (سبحانه وتعالى). انتهى
لاحظ هنا كيف تمَّ تكييف التفسير بما يدفع المرأة إلى طريق الإيمان بالله (جلَّ وعلا) والتنفير من طريق الكفر والإلحاد (والعياذ بالله تعالى). لاحظ هنا كيف أنَّ هذا التفسير هو بمثابة دعوة لهذه المرأة إلى الإسلام، ولكنَّها دعوة من نوع مختلف.
مثال 2: أرسلت لي امرأة نصرانيَّة أمريكيَّة رؤيا أنـَّها قد رأت في منامها أنَّ والدها يمارس الرذيلة مع أختها (أي ابنته)، وأنَّ الرائية قد أمسكت بكرسيٍّ وضربتهما به تعبيرًا عن الاستياء والغضب من هذا العمل. انتهت الرؤيا. وكان يبدو أنَّ الرائية في حالة من الضيق، والذهول، والهمِّ بسبب هذه الرؤيا وما فيها. وبسؤال الفتاة عن أحوالها عَرَفْتُ أنَّ لها صديقًا أو عشيقًا تمارس معه الرذيلة.
فأرسلت لها التفسير كالتالي (بعد كتابة مقدِّمات ما قبل التفسير الموضَّحة سابقًا):
– إنَّ المعاشرة بين رجل وامرأة بدون رابطة زواج هي من الأمور التي ثبت ضررها سواء على المستوى الشخصيِّ أو الاجتماعيِّ. وهذا العمل الرديء يُعدُّ في الإسلام من كبائر الذنوب التي تستوجب العقاب الإلهيَّ في الدنيا والآخرة. وبخصوص هذه الرؤيا، فهي تلفت نظرك إلى قبح وشناعة الزنا. فكما شعرت بالغضب الشديد من الحالة التي رأيت عليها والدك وأختك في الرؤيا، فإنَّ الله (تعالى) يغضب لهذه العلاقة بينك وبين صديقك. وكما أمسكت الكرسيَّ وضربتهما به في الرؤيا كعقاب لهما، فاحذري من عقوبة الله (عزَّ وجلَّ) عليك بسبب هذه العلاقة. انتهى
لاحظ كيف تمَّ تفسير الرؤيا هنا بأسلوب يصرف المرأة عن الرذيلة، ويدعوها إلى الله (عزَّ وجلَّ).
مثال 3: أرسل لي شابٌّ أمريكيٌّ مراهق يقول أنـَّه لا دين له، أرسل رؤيا رأى فيها أنـَّه تحوَّل إلى امرأة، وأن رجلًا يتحرَّش به ويراوده عن نفسه. انتهت الرؤيا.
فأرسلت له التفسير كالتالي (بعد كتابة مقدِّمات ما قبل التفسير الموضَّحة سابقاًً):
– يا رجل! هذا الذي رأيته في منامك من الشيطان يريد أن يشجِّعك على الدخول في أوحال الرذيلة والشذوذ حتَّى يدمِّرك تدميرًا شاملًا. لقد خلقك الله (تعالى) رجلًا من أجل أن تتزوَّج من النساء، ولا شيء غير ذلك. انتهى التفسير. والعجيب أنَّ هذا الشابَّ اللادينيَّ قد استحسن هذا التفسير وأعجب به، وأخبرني بذلك.
لاحظ هنا كيف تمَّ تفسير هذه الرؤيا بما يُنقَذ هذا الإنسان من التورُّط في طريق رذيلة وشرٍّ حتَّى وإن لم يدخل في دين الإسلام، فمجرَّد منع هذا الشرِّ العظيم هو مكسب أيضًا للإسلام والمسلمين، وأرضى لله (عزَّ وجلَّ).
ثالثًا: ما بعد تفسير الرؤيا:
بعد أن يخبر المفسِّر السائل بتفسير رؤياه من المهمِّ جدًّا أن يرشده إلى بعض المصادر الإسلاميَّة المفيدة، وأهمُّها ترجمة القرآن الكريم بلُغة السائل، وثانيهما مصدر محترم لتعريفه بالإسلام بلُغتِه أيضًا.
وبعدها يشكره المفسِّر على سعة صدره. وهذا قد يخفِّف من وطأة الحرج أو الصدمة التي ربَّما يشعر بها السائل إذا عُرِضَت عليه هذه المصادر للمرَّة الأولى دون أن يتوقَّع ذلك.
ثم يختم المفسِّر كلامه بأطيب التمنِّيات للسائل حتَّى يُظهِر حسن نيَّته وبراءة سريرته.
والله (تعالى) أعلم.
جمال حسين – باحث ومحاضر ومدرب في علم تفسير الرؤى
قام بإعادة تدوين هذه على مدونة تفسير الأحلام.
إعجابإعجاب
بحثك رائع وعندي سؤال هل غير المسلم يرى في منامه احد اقاربه الميتين وما يحدث لهم بعد الموت هل يراهم وهم سعداء وكانهم في الجنة كما نرى نحن موتانا من اهل الجنة او من اهل النار
إعجابLiked by 1 person
السلام عليكم. جزاك الله خيرا. حتى ولو رآهم في الجنة ، فلو ماتوا على غير الإسلام فالجنة عليهم حرام. ولا تنفعهم رؤيا ولا غير رؤيا. ويكون لمثل هذه الرؤيا هنا تأويلات أخرى كأن تدل على إسلام واحد من ذريته مثلا. القاعدة هي أن الشرع الإسلامي المطهر حاكم على الرؤيا وليست الرؤيا حاكمة على الشرع. وفقك الله.
إعجابإعجاب