التعارض بين الرؤى هو أن يرى الشخص المسلم رؤى تبدو في ظاهرها متعارضة الشكل أو تدلُّ على عدَّة أشياء يصعب أن تجتمع معًا. ويُشترط أن يرى المسلم هذه الرؤى في أوقات شبه متقاربة ودون أن تحدث تغيُّرات كبيرة في حياته يكون من الطبيعي أن تتغيَّر معها رؤاه أو تتعارض مع سابقتها، كأن يتغيَّر حاله من الصلاح إلى الفساد، أو من العزوبة إلى الزواج، أو من البطالة إلى العمل أو من الفقر إلى الغنى…إلخ.
ومن أمثلة هذه الرؤى:
أن يرى مسلم يدعو الله (عزَّ وجلَّ) بأن ييسر له فرصة سفر خارج بلده أنَّه سافر إلى العديد من البلاد، في كلِّ رؤيا بلد مختلف. وهذا قد حدث فعلًا، وقد كان لي صديق مسلم كان يرجو من الله (تعالى) أن يـيسِّر له فرصة للعمل خارج بلده نظرًا لظروفها الصعبة، فكان يرى في المنام رؤى تشير إلى بلاد متعدِّدة، إسلاميَّة وغير إسلاميَّة، بل وفي ثلاث قارَّات مختلفة، وتحيَّر الرجل في هذه الرؤى، ولم يعرف لها تفسيرًا محدَّدًا.
أن يرى المسلم أنَّه مريض بمرض في رؤيا، ثم يرى في رؤيا أخرى بعد وقت قصير أنَّه غير مريض بالمرض نفسه.
أن يرى المسلم أنَّه قد نجح في اختبار في رؤيا، ثم يرى في رؤيا أخرى بعد وقت غير بعيد أنَّه قد رسب فيه.
أن يرى رجل مسلم أنَّه قد تزوَّج من امرأة صالحة في رؤيا، ثم يرى في المنام بعد وقت غير بعيد أنَّه قد تزوَّج من المرأة نفسها وأنَّها غير صالحة.
أن ترى المسلمة في رؤيا أنَّها قد تزوَّجت من رجل، ثم ترى بعد وقت غير بعيد في رؤيا أخرى أنَّها قد تزوَّجت من غيره، ثم في رؤيا ثالثة أنَّها قد تزوَّجت من رجل ثالث.
من المعلوم أنَّ تفسير رؤيا معيَّنة أو تحديد معناها بدقَّة من بين عدد من المعاني قد يعتمد على رؤى أخرى تمَّ تفسيرها سابقًا للرائي نفسه، فقد تأتي العديد من الرؤى تتوالى وتتابع بأشكال مختلفة لتؤكِّد على معنى واحد في اتِّجاه واحد، فيقوِّي بعضها بعضًا ويشُدُّ بعضها بعضًا. أمَّا إذا تعارضت الرؤى شكلًا كما أوضحنا في الأمثلة السابقة، ففي هذه الحالة قد يبدو أنَّها تُضعِّف بعضها بعضًا أو تكسِّر بعضها بعضًا.
ويُعدُّ هذا النوع من التعارض بين الرؤى من أهمِّ الإشكالات المحيِّرة التي قد تواجه المفسِّر عندما يحاول تفسير رؤيا وترجيح معناها بالاستعانة برؤى سابقة مشابهة.
وننصح المفسِّر إذا واجه مثل هذه الحالة من التعارض أن يحاول إدماج المعاني المتعارضة معًا بمعنى فيه خير للمسلم، فمثلًا المسلم الذي رأى أنَّه قد تزوَّج من امرأة، ثم رأى نفسه في رؤيا أخرى قد تزوَّج من امرأة أخرى، فإذا كانت المرأتان صالحتان، فلتكن البشرى له بالزواج من كليهما، أو ربَّما كانت واحدة منهما ترمز لطليقته، والأخرى ترمز لزوجته في المستقبل مثلًا.
أمَّا إذا كان التعارض بين معاني خير في رؤى ومعاني شرٍّ متعارضة معها في رؤى أخرى، فليتمَّ تفسير الرؤى على معنى الخير للمسلم الصالح، وقلب معاني رؤى الشرِّ على الخير (راجع قاعدة تفسير الرؤى بقلب المعنى). ومن أمثلة ذلك: نفترض أنَّ رجلًا صالحًا رأى نفسه غير مريض بمرض في رؤيا، ثم رأى نفسه مريضًا به في رؤيا أخرى (مع العلم أنَّه ليس مريضًا به في الواقع)، فالأولى بالمفسِّر هنا أن يأخذ بمعنى الرؤيا الأولى، فيبشِّر المسلم الصالح بالعفو والعافية، وأن يقلب معنى الرؤيا الأخرى، كأن يدلَّ المرض فيها على بشرى بالسفر للرائي؛ لقول الله (تعالى): ﴿… فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ…﴾ (البقرة:184).
ومن الجدير بالذكر أيضًا أنَّ الرمز أو التفسير إذا تكرَّر كثيرًا في رؤى كثيرة تقوَّى، فإذا ما جاء ما يعارضه في رؤيا أخرى، فإنَّه يكون ضعيفًا بالمقارنة به، فمن الأولى بالمفسِّر في حالة التعارض بين الرؤى أن يسأل عن الرمز المتكرِّر في الرؤى أكثر من غيره أو التفسير المتكرِّر أكثر من غيره؛ لأنَّ هذا الرمز المتكرِّر أو التفسير عادة ما يكون هو الأقوى، والأولى بالأخذ به من غيره.
وكذلك إذا ما جاء في الرؤيا ما فيه إصلاح لدين الرائي ودنياه، ثم جاء في رؤيا أخرى ما يعارضه، وجب الأخذ بمعنى الرؤيا التي فيها إصلاح لحال المسلم، وقلب الرؤيا الأخرى على معنى الخير، أو عدم الأخذ بها أصلًا.
وكذلك إذا ما جاء في الرؤيا ما يتناسب مع أحوال المسلم وظروفه، ثم عارضته في رؤيا أخرى أشياء لا تتناسب مع أحوال المسلم وظروفه، أخذ المفسِّر بما يتناسب مع أحوال المسلم وظروفه، وقلب الرؤيا المتعارضة على ما يناسب المسلم، أو حاول توفيق هذا التعارض، كأن يحمل الرؤيا المتعارضة على الماضي مثلًا أو المستقبل، وهكذا.
وكذلك إذا ما جاء في الرؤيا ما يحبُّه المسلم من أمور الخير، ثم جاء في رؤيا أخرى ما يُعارضه، وجب الأخذ بالمعنى الذي يحبُّه المسلم، وقلب المعنى المتعارض على خير يُحبُّه المسلم.
إذا تعارضت رؤيا فيها خير واضح مباشر يحتاجه المسلم مع رؤيا أخرى فيها عكس ذلك، وجب تفسير الأولى على ظاهرها، وقلب الأخرى على معنى فيه خير للمسلم، كأن ترى فتاة مسلمة راغبة في الزواج بشدَّة أنَّها تزوَّجت، وسعدت، ثم ترى في رؤيا أخرى أنَّها مطلَّقة، وتعيسة. فيبشِّرها المفسِّر بالزواج السعيد، ويقلب معنى الرؤيا الثانية على ما فيه الخير لها، كأن تدلُّ رؤيا الطلاق على الرزق أو الغنى مثلًا؛ لقول الله (تعالى): ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ (النساء:130).
والله (تعالى) أعلم.
جمال حسين – باحث ومحاضر ومدرب في علم تفسير الرؤى
قام بإعادة تدوين هذه على مدونة تفسير الأحلام.
إعجابإعجاب